لأنّا نقول : لا دليل على كفاية الظنّ بالفراغ مطلقا ، فإنّ الضرورة تتقدّر (١) بقدرها ، وما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه ، وكفاية الظنّ في الأحكام الشرعية لا تقضي (٢) بكفاية الظنّ في موضوعاتها بعد إمكان الرجوع إلى العلم فيها وعدم إمكانه فيها كما لا يخفى.
وبالجملة ، فلا يجوز الرجوع إلى الظنّ في الموضوعات الصرفة.
نعم ، هنا أمور خاصّة يجوز الرجوع فيها إلى الظنّ إمّا بواسطة أنّ الظنّ فيها يستلزم الظنّ في الحكم الكلّي (٣) الفرعي الإلهي ، وإمّا لأنّ المناط موجود فيهما (٤) من الانسداد الأغلبي.
فالأوّل كالظنون الرجالية سواء كانت متعلّقة بالوصف كما إذا حصل الظنّ بعدالة إبراهيم بن هاشم مثلا ، أو بالموصوف كما في غير المشتركات ، فإنّه لو حصل الظنّ بأنّ زرارة الواقع في سند الحديث الدالّ على وجوب السورة مثلا هو زرارة بن أعين يحصل الظنّ بوجوب السورة ، وحيث إنّه لا فرق في أسباب الظنّ ، فيجب الأخذ به كما سبق ، بل قد يقال بحجّية الظنون التي لم تستند إلى قول رجالي أيضا كالظنّ بأنّ الراوي لعلوّ مرتبته وارتفاع شأنه لا يسأل عن غير الإمام في المضمرات ونحوها كما في المقاطيع والمراسيل ، فكلّما يستلزم الظنّ به الظنّ بالحكم الشرعي يجوز التمسّك بالظنّ فيه على القول بالظنون المطلقة.
وأمّا أرباب الظنون الخاصّة ، فليس لهم العمل بالظنّ في مباحث الرجال أيضا بل لأنّه من البناء على العلم في تعيين الوصف والموصوف ، أو على البيّنة ، وما قد يتوهّم في المقام من دعوى الإجماع على حجّية مطلق الظنّ في مباحث الرجال ، فواضح الضعف والسقوط بعد ملاحظة تشتّت مشارب كلّ العلماء في تعيين الأدلّة ، واختلافهم في تمييز الأحاديث ، فهذا صاحب المعالم (٥) يترنّم بقول ليت في منزوحات البئر بعد ظهور
__________________
(١) « ل » : مقدّرة.
(٢) في النسختين : لا يقضي.
(٣) « ل » : ـ الكلّي.
(٤) « ل » : فيها.
(٥) لم أجده في فقه المعالم وفي منتقى الجمان.