وأمّا عن الثاني ، فبمنع قيام الشهرة على عدم حجّية الظنّ في الأصول أوّلا ، نعم أرباب الظنون الخاصّة بعد زعمهم انفتاح باب العلم لا يعوّلون على الظنّ مطلقا لا أصولا ولا فروعا ، وبمنع إفادة الظنّ منها ثانيا إذ مرجعها إلى أصالة حرمة العمل بالظنّ كما عرفت سابقا ، على أنّ مجرّد قيام الظنّ على عدم حجّية ظنّ آخر لا يوجب بطلانهما جميعا بل يجب الأخذ بأقوى الظنّين كما مرّ آنفا.
السابع ممّا ينبغي التنبيه عليه أنّه قد ذهب جماعة منهم المحقّق الطوسي قدسسره القدوسي (١) إلى كفايته في المسائل الكلامية والأصول الاعتقادية على ما حكي عنه (٢) ، والمراد منها ما كان المقصود منها الاعتقاد وإن ترتّب عليه العمل ـ سواء كان ممّا يوجب إنكاره الكفر أو لا ـ كما أنّ المراد من الفرعيات ما كان المقصود منها العمل أو لا ، والفرق بينها وبين أصولها أنّ الأصول مبان ومآخذ لها ومداركها التي يستنبط منها ، ولا يذهب عليك أنّ هذه المسألة غير ما عنونوها في مباحث الاجتهاد والتقليد من كفاية التقليد وعدمه ، لعدم الملازمة بينهما ، إذ يمكن القول بكفاية التقليد مع عدم كفاية الظنّ وبالعكس نظرا (٣) إلى جواز الاكتفاء بما يحصل من الأدلّة الظنّية بعد إفراغ الوسع في تحصيل الاعتقاد.
فما يظهر من المحقّق البهائي رحمهالله (٤) من اتّحادهما ليس على ما ينبغي إلاّ أن يؤول بأنّ العلم غير التقليد نظرا إلى ما تقرّر في تقسيم الإدراك إلى العلم والتقليد وغيرهما ، فإنّ التقليد لا ثبات فيه ، بخلاف العلم ، فاشتراط العلم لعلّه (٥) يلازم نفي التقليد ، فتدبّر.
وكيف كان ، فتحقيق المقام يستدعي بسطا في الكلام في طيّ عدّة من المقام :
__________________
(١) قال الشيخ في فرائد الأصول ١ : ٥٥٤ حكي نسبته إليه في فصوله ولم أجده فيه.
أقول : الفصول النصيرية فارسي ، وعرّب وشرحه الفاضل المقداد المسمّى بـ « الأنوار الجلالية للفصول النصيرية » وراجعنا إليه ولم أجده فيه أيضا.
(٢) حكى عنه في القوانين ١ : ١٨٠.
(٣) « ل » : نظر.
(٤) انظر هامش زبدة الأصول : ١٦٥.
(٥) « ل » : ـ لعلّه.