المقام الأوّل في أنّ الظنّ الذي لم يعلم اعتباره يمكن أن يكون جابرا للسند فيما إذا كان الكسر فيه أو للدلالة أم لا؟ ففيه جهتان :
الأولى في الجبر في السند ، فنقول : إنّ الظنّ المطلق ـ على القول بعدم حجّيته كالشهرة في الفتوى مثلا ـ إنّما يصير جابرا فيما لو كان المجبور به يصير داخلا تحت عنوان يثبت حجّيته نوعا مثلا ، لو قلنا بأنّ الخبر الموثوق به حجّة ، فإن وجدنا خبرا كذلك ، فلا كلام ، وإلاّ فإن انضمّ إليه شهرة فتوائية أو روائية ـ بحيث يحصل الوثوق بصدور الخبر عن الإمام ـ فهو حجّة أيضا باعتبار انجباره بها ، وإلاّ فلا حجّية فيه ، ولا ينافي ذلك عدم حجّية الشهرة في نفسها ، فإنّه لا اعتماد عليها حينئذ بل إنّما هي محقّقة لموضوع هي الحجّة ، ومحصّلة لمصداق قام الدليل على اعتباره عموما بخلاف ما لو قلنا بحجّية خبر العادل ، فإنّ الشهرة في الفتوى لا دخل لها في عدالة الراوي التي بها أنيطت الحجّية ، فالمعيار في الانجبار هو حصول مصداق الحجّة بعده ، فإن حصل فيصحّ ، وإلاّ فلا يصحّ ، هذا فيما إذا (١) قلنا بعدم حجّية الظنّ المطلق ، وأمّا على القول به ، فالشهرة هي بنفسها حجّة لا جبر فيها إلاّ على ما يراه السيّد الطباطبائي رحمهالله من عدم حجّية الشهرة لقيام الشهرة على عدم حجّيتها (٢) ، فإنّه بعد انضمام الشهرة إلى الخبر يخرج عن مورد الشهرة في المسألة الأصولية ؛ إذ الشهرة لو لم تقم على حجّية الخبر المنجبر بالشهرة ، فلا أقلّ من عدم قيامها على عدم حجّيته ، فلا يخفى أنّ في إطلاق الانجبار في المقام نوع تسامح كما هو ظاهر.
وبالجملة ، فالجبر في السند وعدمه إنّما يختلف بحسب اختلاف المذاهب في أخبار الآحاد ، فإن قلنا بحجّيتها من حيث الظنّ بالصدور ، فيصحّ الانجبار ، وإن قلنا بأنّ خبر العادل حجّة ، فلا يعقل الجبر كما إذا قلنا بأنّ الظنّ الحاصل من الخبر بالحكم الواقعي
__________________
(١) « ل » : ـ إذا.
(٢) انظر القوانين ١ : ٣٧٧ ؛ هداية المسترشدين : ٤١٦.