أمّا على الأوّل ، فلأنّ التعبّد بأحد الدليلين من المكلّف إمّا بواسطة المرجّحات الحاصلة في نظره من المصالح النفسانية ، وإمّا بواسطة المرجّحات المجعولة الشرعية ، ولا ثالث في البين ؛ لانحصار وجه صدور الفعل عن الفاعل فيهما ، والمفروض انتفاء الثاني ، وعدم دليل على كفاية الأوّل.
وأمّا على الثاني ، فللزوم العبث عليه تعالى ؛ فإنّ الشيء ما لم يجب في نظر الفاعل ، لم يوجد في الخارج ، فالأصل بمعانيه عدم جواز الترجيح بالظنّ بمعانيه إلى أن يدلّ الدليل على جوازه ، فلا يذهب عليك بأنّ الترجيح إنّما يتصوّر في الأدلّة عند من يرى حجّيتها من باب الظنون النوعية.
وأمّا على القول بحجّية الظنّ الحاصل من الخبر ، أو مطلق الظنّ ، فالترجيح غير معقول ؛ لأدائه إلى انتفاء التعارض بعد امتناع قيام الظنّ على طرفي الخلاف ، والتعارض إنّما يتحقّق بين الدليلين ، فانضمام المرجّح إلى أحدهما يخرج الآخر عن الحجّية وقد مرّ فيما سبق أنّ تسمية هذا موهنا أولى من تسميته مرجّحا ؛ إذ عدم المعلول مستند إلى عدم المقتضي عادة مع اجتماعه لوجود المانع كما لا يخفى.
ولنقدّم الكلام في الظنون التي قام الدليل على عدم اعتباره كالقياس (١) ؛ لقلّة أبحاثه ، فنقول :
الحقّ وفاقا للمعظم عدم كونه مرجّحا ، وعدم جواز الترجيح به ؛ لإطلاق الأدلّة الناهية عن استعمال القياس في الشريعة ، فإنّ الأخبار في ذلك قد تواترت عن أئمّتنا الأطهار عليهمالسلام كما يشاهد ذلك بعد المراجعة إلى مظانّها ، وفي بعضها : « ليس على ديني من استعمل القياس » (٢) ولا سبيل إلى منع الاستعمال بالنسبة إليه في مقام الترجيح نظرا إلى أنّ العمل به إنّما هو فيما إذا كان المستند في الحكم والفتوى هو القياس بنفسه ، وأمّا إذا
__________________
(١) قارن هذا المبحث بمبحث الترجيح بالقياس في التعادل والترجيح : ج ٤ ، ص ٦٣٦ وما بعدها.
(٢) الوسائل ٢٧ : ٤٥ ، باب ٤ من أبواب صفات القاضي ، ح ٢٢.