الغيبة ممّا اشتمل على عنوان الحلال والحرام ، وما لا يشتمل عليهما كشرب التتن فإنّه بعد ما حكمنا في الشكّ في المكلّف [ به ] بالبراءة كما في المحصورة ، فعند الشكّ في التكليف بطريق أولى ، وعلى الشبهة الموضوعية. وهذا هو غاية توجيه الكلام في تقريب المرام من الرواية المذكورة ، وإنّما أطلنا الكلام فيها لأنّها مطرح لأنظار العلماء وأفكار الفضلاء ، وإلاّ فنحن في غنى من ذلك بعد ما عرفته من الأدلّة السالفة (١).
وقد يستدلّ على البراءة بوجوه أخر كلّها قاصرة عن إفادتها كالعمومات الدالّة على حصر المحرّمات في أشياء مخصوصة كقوله تعالى : ( قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ )(٢) إلخ وكقوله تعالى : ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً )(٣) ونحو ذلك فإنّ المقصود في المقام إثبات إباحة الأشياء والخلوّ من التكاليف فيها عند الشكّ كما عرفته في عنوان البحث فإنّه المراد بالأصل أيضا ، والأدلّة المذكورة إنّما نظرها إلى الواقع ولا ربط لها بما نحن بصددها أصلا على ما لا يخفى على الملاحظ في سياقها.
نعم ، هنا شيء يمكن الاستناد إليه بنوع من التقريب والعناية وهو قوله تعالى في مقام الردّ على اليهود : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ )(٤) إلخ وجه العناية أنّ في تلقين الله نبيّه الكريم في الاحتجاج على اليهود بعدم الوجدان دون عدم الوجود إيماء إلى (٥) أنّ عدم الوجدان يصير دليلا على عدم الوجود كما هو المقصود وإن كان عدم وجدان النبيّ صلىاللهعليهوآله لا يتخلّف عن عدم الوجود في الواقع إلاّ أنّ التعبير به ممّا يمكن استفادة ذلك منه.
وبعبارة أخرى : إنّ نفس النبيّ صلىاللهعليهوآله حيث إنّه اللوح المحفوظ فعدم وجدانه شيئا وإن كان هو عين عدم وجود ذلك الشيء إلاّ أنّه مع ذلك فلا يخلو من الإشعار بأنّ
__________________
(١) « ج » : السابقة.
(٢) الأعراف : ٣٣.
(٣) البقرة : ٢٩.
(٤) الأنعام : ١٤٥.
(٥) « م » : على.