مسألة البراءة على ما عرفته في المكلّف الملتفت ، وعدم العلم والجهل أعمّ من الالتفات وعدمه والجهل المركّب ، ولا ريب في ورود أدلّة الاحتياط عليها أيضا.
ومنها : ما يدلّ بظاهره على إباحة الأشياء عند الشكّ فيها كقوله : « كلّ شيء مطلق » (١) وقوله : « ما لا يعلمون » بناء على التوجيه المذكور في وجه التقريب في الاستدلال به والإجماعات المنقولة عن الصدوق والمحقّق والعلاّمة (٢) فإنّها أيضا دالّة على حكم الأشياء المشتبهة بالبراءة ، فتعارض الأخبار الآمرة بالاحتياط عند الشكّ ، ولو لم نقل برجحان أدلّة البراءة ـ لاعتضادها بمرجّحات كثيرة لقوّة سندها وصراحة دلالتها وموافقتها للكتاب (٣) والاعتبار بملاحظة الشريعة السمحة ـ فلا أقلّ من التساوي ، ومعه لا بدّ من الحكم بالتساقط ؛ إذ التخيير إنّما هو فيما لم يكن هناك ما يشبه من إجمال الدليل والمقام منه لاحتمال ارتفاع موضوع كلّ منهما بالآخر بخلاف سائر الأخبار المتعارضة ، ومع التساقط لا مناص من الرجوع إلى دليل آخر وهو في المقام يقضي بالبراءة إذ بعد فرض الإجمال لا دليل على البيان ، وفي موضوع (٤) عدم البيان يستقلّ العقل بالبراءة كما هو مفاد الإجماع أيضا ، على أنّه يمكن القول بأخصّية أدلّة البراءة فيخصّص عموم الاحتياط ، فتدبّر.
وأمّا عن أخبار التوقّف ، فيقع الكلام في الجواب عنها في مقامين : فتارة في غير خبر التثليث ، وأخرى فيه.
ففي الأوّل نقول : لا دلالة فيها على لزوم التوقّف في مقام الشبهة بعد ظهور جملة منها في ردّ العامل بالقياس كما هو ظاهر من مساقها ، ولا ينبغي الاستناد إليها فيما لو حمل على الوجوب لورود التخصيصات المتكاثرة كما عرفت نظيره في أخبار الاحتياط.
__________________
(١) تقدّم في ص ١٥٩.
(٢) تقدّم ذكرها ص ٣٤٢ ـ ٣٤٣ وتعليقتها.
(٣) « ج ، م » : الكتاب.
(٤) « ج » : موضع!