مع أنّها لكلّ أمر مشكل ، والموضوعات قبل إعمال الأصول فيها من الأمر المشكل ، ولا يلتزم أحد بإعمال القرعة فيها فكذلك لا ضير في القول بورود أدلّة البراءة على مثل هذه الأخبار وارتفاع الإشكال بها كما لا يخفى.
وأمّا ثانيا : فبأنّا لو سلّمنا عدم الورود ، فأخبار البراءة أخصّ مطلقا من وجوه :
أحدها : شمول أدلّة الاحتياط للشكّ في التكليف والمكلّف به واختصاصها بالأوّل.
وثانيها : شمولها لجميع الأحكام واختصاصها بالوجوب والحرمة.
وثالثها : ورود البراءة في مقام العذر والاحتياط أعمّ.
وأمّا الجواب عن الثالث ، فأمّا عن تقريره الأوّل ، فبأنّ المراد بالضرر إن كان الأخروي منه فبالبراءة ينتفي صغراه ، وإن كان المراد به الضرر الدنيوي ممّا يرجع إلى قساوة القلب والشقاوة النفسانية ، فقد مرّ أنّ المرجع فيها إلى الشبهة الموضوعية إذ المفروض معلومية حرمة الشيء المشتمل على الضرر ، والكلام إنّما هو في أنّ الشيء الفلاني هل يندرج فيه أو لا؟ وسيجيء الكلام في محلّه من أنّ الشبهة الموضوعية ممّا لا يجب الاجتناب عنه بالاتّفاق ، غاية الأمر أنّ الدليل العقلي لا ينهض فيها ونحن لا نضايق من ذلك كما قرّرنا في أصالة الإباحة من أنّ الأصل العقلي الأوّلي الحظر ، ولا منافاة لحكم الشارع بخلافه لاحتمال أن يتداركه بترياق ونحوه كما لا يخفى.
وأمّا عن تقريره الثاني ، فبوجوه : أمّا أوّلا : فبالنقض بالشبهة الوجوبية فإنّ قضية ما قرّره ـ من لزوم الاحتياط بعد إعمال الظنون المعمولة في مواردها لا من حيث إنّها طريق إلى الواقع بل من حيث رفع العسر وتسهيل الأمر على العباد ـ عدم الفرق بين الموارد فإنّها جهة واحدة إن صحّت ، صحّت في الكلّ مع ما عرفت من أنّ الأخباري أيضا لا يقول بالاحتياط فيها.
وأمّا ثانيا ، فبالحلّ ، وبيان ذلك أنّ محصّل ما ذكر في تقريب الاستدلال هو أنّ الظنّ قد يكون طريقا إلى الواقع وقد يكون العمل بها تسهيلا للأمر ، وهما في طرفي