الأوّل : ما نسب (١) إلى المحقّق من التفصيل في موارد البراءة بين ما يعمّ البلوى به ، فقال بالبراءة وبين غيره فلم يعتبرها.
وتحقيق ذلك يتوقّف على إيراد عبارته في المقام ليندفع الأوهام ، فنقول : قد صرّح في كتابه في (٢) الأصول بالبراءة كما هو مذهب المجتهدين من غير تفصيل فيها ، وقال في مقدّمات المعتبر بعد تثليثه لأقسام الاستصحاب ، وجعل الأوّل منها استصحاب حال العقل وفسّرها بالبراءة الأصلية :
« الثاني أن يقال : عدم الدليل على كذا فيجب انتفاؤه وهذا يصحّ فيما يعلم أنّه لو كان هناك دليل لظفر به ـ ثمّ قال ـ : أمّا لا مع ذلك فإنّه يجب التوقّف ولا يكون ذلك الاستدلال حجّة ومنه القول بالإباحة لعدم دليل الحظر والوجوب » (٣) انتهى كلامه رفع مقامه.
ولا يخفى على من أمعن النظر في كلامه أنّه ليس في صدد التفصيل في أصالة البراءة ولا في أصل آخر بل صريح كلامه إنّما هو حجّيتها مطلقا ، وكان من نسب إليه ذلك إنّما توهّم من قوله : « ومنه القول بالإباحة لعدم دليل الحظر والوجوب » زاعما أنّ مفاد البراءة والإباحة واحد ، وليس كذلك بل البراءة ـ على ما تقدّم ـ لا تزيد على حكم عدمي يعبّر عنه بخلوّ الذمّة وعدم الاشتغال من غير أن يكون مفادها الإباحة (٤) ، ولذلك قد يعبّر عنها في لسانهم بأصالة النفي.
وبالجملة ، فالمحقّق إنّما هو في بيان مورد القاعدة المعمولة عندهم من أنّ عدم الدليل دليل العدم ولا يفصّل (٥) فيها أيضا بيان ذلك أنّ من المعلوم ضرورة عدم الملازمة بين وجود الشيء والعلم به فربّما يكون موجودا ولا نعلمه ، فقولهم : عدم الدليل دليل على العدم. لو كان بواسطة ما قد يتخيّل من أنّ النافي لا يحتاج في دعواه إلى الدليل ، فذلك
__________________
(١) الناسب المحقّق القمي في القوانين ٢ : ١٥.
(٢) « س ، م » : ـ في.
(٣) المعتبر في شرح المختصر ١ : ٣٢.
(٤) « ج » : للإباحة.
(٥) « ج » : لا تفصيل.