المقام الرابع
[ في كون التخيير أصوليا أو فقهيا ]
في أنّ المجتهد بعد القول بالتخيير ـ سواء كان بدويا أو استمراريا ـ فهل يفتي بالمختار مطلقا ، أو بالتخيير كذلك ، أو يفصّل بين ما إذا قال بالتخيير البدوي فبالمختار ، أو بالاستمراري فبالتخيير؟ وجوه :
ربّما يقال بالأوّل ؛ لأنّ الحكم المعلوم إجمالا (١) لا يصير حكما شرعيا إلاّ بعد الأخذ والاختيار ، فالمختار هو حكم الله لجميع الناس في نظره فباختياره يصير حكما شرعيا لا مطلقا ، فلو أفتى بالتخيير ـ والفرض أنّه لا يصير حكما شرعيا إلاّ بعد الاختيار ـ فقد أفتى بغير ما أنزل كما في الأخبار المتعارضة فإنّ الحكم المدلول عليه بإحدى الروايتين لا يكون حكما شرعيا إلاّ بعد تعيين المجتهد إحداهما للعمل.
وبالجملة ، فكما أنّ المجتهد لا بدّ له من تعيين الحكم فيما لو كان واجبا عينيا ، وما لم يعيّنه المجتهد لا يصير من الأحكام الشرعية ، فكذلك فيما لو كان واجبا تخييرا فإنّ تعيين أحد (٢) فردي الواجب التخييري بمنزلة تعيين الواجب العيني.
وقد يقال بالثاني ؛ لأنّ المجتهد إنّما ينوب عن المقلّد في تعيين الأحكام الشرعية التي لا يناط إلى أفعال اختيارية راجعة إلى الدواعي (٣) النفسانية ، فهو إنّما واسطة له في فهم الأحكام من حيث عدم قدرته له وعدم إمكان تحصيل العلم بها إلاّ من جهة المجتهد ، وإلاّ فالحكم الواقعي بالنسبة إلى المقلّد والمجتهد سواء ، فكيف يعقل مدخلية اختيار المجتهد ـ الراجع إلى دواعيه (٤) النفسانية ـ في تكليف (٥) المقلّد مع أنّه لو قلنا بذلك ، لزم وجوب إفطار المقلّد فيما لو سافر المجتهد ، فلو كان الحكم الواقعي هو التخيير ، فلا فرق
__________________
(١) « ج ، م » : ـ إجمالا.
(٢) « ج » : واحد.
(٣) « م » : دواعي. « س » : الدعاوي.
(٤) « س » : دعاويه.
(٥) « ج » : بتكليف.