الثاني :
أنّ الكلام في دوران الأمر بين الواجب والمحرّم في المقام (١) إنّما هو فيما إذا كان الشكّ فيهما مسبّبا عن أمر ثالث خارج منهما كما إذا ورد هناك أمر فلم نعلم أنّه للوجوب أو للتحريم من جهة التهديد ، وأمّا إذا كان الشكّ في أحدهما مسبّبا عن الآخر ، فمرجعه في الحقيقة إلى أحد الأصلين السابقين إذ بعد ارتفاع الوجوب الناشئ منه الشكّ في الحرمة بالأصل يرتفع الشكّ في الحرمة لارتفاع المسبّب بارتفاع السبب ، وكذا بعد ارتفاع الحرمة بأصالة البراءة يرتفع احتمال الوجوب المنبعث عن احتمال الحرمة لعين ما مرّ من قضية العلّية والسّببية ، مثلا لو شكّ في وجوب الصلاة من جهة الشكّ في حرمة ترك إزالة النجاسة عن المسجد ، فبعد القول بجواز ترك الإزالة نظرا إلى أصالة البراءة فيها عن الحرمة ، فلا مجال للشكّ في وجوب الصلاة لعدم المانع ، وأيضا لو قلنا بحرمة الارتماس في نهار رمضان من غير أن يكون مفطرا ، ففي ضيق الوقت وعدم إمكان غير الارتماس نشكّ في وجوب الصلاة من جهة الشكّ في حرمة الارتماس في هذا الوقت ، فلو عملنا بأصالة البراءة فيها ، فاللازم الحكم بوجوب الصلاة من غير تزلزل فيه لارتفاع الشكّ بارتفاع سببه كما لا يخفى ، والمقصود من إيراد المثالين التنبيه على نفس الحكم ، وإلاّ فالحكم (٢) فيهما بعد محلّ نظر.
الثالث :
أنّه يستفاد من تضاعيف كلماتنا في الأصل (٣) المقدّم ، وهذا الأصل حكم ما إذا دار الأمر بين الحرام والاستحباب ، أو الكراهة ، أو الإباحة ، أو اثنين منها على اختلاف صورها ، أو الثلاثة وما إذا دار الأمر بين غير الواجب وغير الحرام كالإباحة والاستحباب ، وكالاستحباب والكراهة على اختلاف الأقسام المتصوّرة فيه ، فلا حاجة إلى تطويل المقام بانعطاف عنان الكلام إليه ، فعليك باستخراج أحكامها.
__________________
(١) « م » : ـ في المقام.
(٢) « ج ، س » : في الحكم.
(٣) « ج » : هذا الأصل!