قلت : إنّ من المعلوم أنّ هذه الأخبار لا دلالة فيها على هذه الدعوى لعدم المنافاة بين أن يكون حكم الشيء من حيث الاشتباه شيئا ولكن بعد اجتماعه مع عنوان آخر كأن يكون مقدّمة لواجب شيئا آخر كما في المقام فإنّ الخمر المردّد ـ يعني المشتبه (١) ـ حكمه عدم وجوب الاجتناب ، وذلك لا ينافي أن يكون الموضوع المشتبه واجب الاجتناب إذا كان مقدّمة للوصول إلى الحرام ، وكان تركه مقدّمة للعلم بحصول امتثال الخطاب الدالّ على لزوم اجتنابه.
على أنّ لنا أن نقول بالفرق بين الأوامر والنواهي ، ففي الأوّل لا بدّ أن يكون الفعل مقصودا بخلاف الثاني فإنّ المطلوب منه إنّما هو مجرّد عدم وقوع المنهيّ عنه وإن لم يكن مقصودا ، وأمّا عدم تعلّق الطلب بفعل غير مقصود ، فإنّما هو بواسطة قصور فيه ، وإلاّ فالمقصود فيه (٢) يكون أعمّ.
المورد الثاني (٣)
في أنّه هل يجب الموافقة القطعية بعد ما عرفت من حرمة المخالفة القطعية ، أو لا؟ والكلام في هذا المورد وإن كان ظاهرا بعد حرمة المخالفة القطعية فإنّ التحقيق أنّ القول بحرمة المخالفة القطعية (٤) في المورد الأوّل يلازم القول بوجوب الموافقة القطعية فإنّها معلولي (٥) علّة واحدة إلاّ أنّه لا بأس في تحرير (٦) المقال لتوضيح الحال فإنّ المسألة ربّما (٧) يعسر (٨) على بعض الأفهام الوصول إلى حقيقتها ، فنقول : الحقّ ـ كما عليه جمهور المحقّقين ـ وجوب الموافقة لأنّ المفروض في المقام الأوّل عدم التصرّف في الأدلّة الواقعية وبقاؤها بحالها من غير احتمال متطرّق فيه من التخصيص والتقييد ونحوهما
__________________
(١) « س » : ـ المشتبه.
(٢) « ج » : ـ فيه.
(٣) مرّ المورد الأوّل في ص ٤٤٥.
(٤) سقط قوله : « فإنّ التحقيق » إلى هنا من نسخة « س ».
(٥) كذا. والظاهر : فإنّهما معلولا.
(٦) « م » : في تجديد ، « ج » : بتجديد.
(٧) « م » : ممّا.
(٨) « س ، م » : تعسّر.