فيها ، والمفروض أيضا شمول تلك الأدلّة للمكلّف حال إرادة ارتكاب البعض ، فكأنّ الخطاب بمسمع منه وهو يحكم بعدم (١) جواز تناول الخمر وشربه في الواقع وإن كان مردّدا بين الإناءين فكأنّه يسمع خطاب الله تبارك وتعالى : أيّها العبد ، اجتنب عن هذا الخمر الموجود في الإناءين (٢) ، ولا يتمّ تحصيل الامتثال إلاّ بترك جميع المحتملات ، فلا بدّ من تركه فإنّ الخطاب العامّ ينحلّ إلى خطابات خاصّة ، ولا فرق بينهما إلاّ في كون أحدهما نصّا ، والآخر ظاهرا ، وبعد فرض عدم التخصيص يرتفع احتماله ويساوي الخاصّ في كونه نصّا ، فالخطاب العامّ مرجعه إلى الخطاب الخاصّ كما عرفت ، فالقائل بجواز ارتكاب (٣) وعدم جواز (٤) ارتكاب ما يساوي الحرام مؤاخذ في كلا جزءي دعواه فإنّك إمّا أن تقول بتخصيص في قوله : اجتنبوا عن الخمر بتقريب أنّه يجب الاجتناب على العالم تفصيلا ، وإمّا أن لا تقول به ، فعلى الأوّل ، فلا وجه للقول بحرمة ارتكاب ما هو بقدر الحرام لعدم دليل على حرمته حينئذ ، وعلى الثاني ، فلا وجه للقول بجواز ارتكاب البعض للعلم بحامل التكليف وهو الخطاب الشامل لجميع الأحوال ولجميع الأشخاص ، فلا وجه لهذا القول في وجه.
وأمّا التمسّك بالأخبار في هذا المقام ، فممّا لا وجه له أيضا إذ لك أن تقول : إنّ المقام ممّا علم حرمته بالعقل بعد بقاء الخطاب على حاله ولزوم امتثاله ، والقول بأنّ الحرمة المعتبرة في الغاية لا بدّ وأن يكون هي الحرمة المجهولة ، والحرمة المعلومة ليست هي مدفوع بأنّ التمثيل بخبر « كلّ شيء يكون فيه حلال وحرام » (٥) مبنيّ على تقريب غير مختصّة معلومة (٦) الحرمة فيه بكونها هي الحرمة المجهولة كما لا يخفى ، فتأمّل.
ولا ينافيه قوله : « بعينه » لأنّ الحرام بعينه موجود بين الإناءين فتدبّر.
__________________
(١) « ج ، س » : لعدم.
(٢) سقط قوله : « فكأنّه يسمع » إلى هنا من نسخة « س ».
(٣) « ج » : ارتكاب الأطراف.
(٤) « س » : ـ جواز.
(٥) تقدّم في ص ٣٥٩.
(٦) كذا.