وبالجملة ، فلا دليل على لزوم إبقاء مقدار ما يساوي الحرام إلاّ دعوى حرمة تحصيل العلم بالحرام كما عرفت ، ولا دليل عليه لا عقلا ولا نقلا ، والعمدة في المقام هو عدم جواز التصرّف في الأدلّة الواقعية ، وحكم العقل بوجوب تحصيل الإطاعة والفراغ بعد العلم بالاشتغال.
وربّما يستدلّ على لزوم الموافقة القطعية ببناء العقلاء فإنّهم بسجاياهم يحكمون على لزوم الاحتراز من الإناءين المقطوع وجود السمّ في أحدهما ، ويلحقون المرتكب لهما بأصحاب السوداء والجنون ، وهو كذلك إلاّ أنّه لا ينهض حجّة في المقام وأمثاله لما ستعرف من أنّ إلزام العقلاء على ذلك من جهة قصور أنظارهم على إحراز المصالح والمفاسد الكائنة في نفس الأشياء مع قطع النظر عن التعبّد بأوامره ونواهيه ، فكأنّهم يوجبون الاحتياط في الأمور الراجعة إليهم ، وذلك لا يتمّ فيما علمنا عدم الاقتصار على مجرّد المصالح والمفاسد لمدخل التعبّد فيه كما في الشرعيات بعد عدم دليل على وجوب الاحتياط إلاّ ما دلّ على وجوب الشيء في الواقع ، فظهر أنّ الركون إلى مثل هذا الوجه ممّا لا تعويل عليه إلاّ بعد الرجوع إلى ما مرّ وأوله إلى ما ذكر وبدونه لا جدوى فيه لاختلاف وجوه الأدلّة كما لا يخفى.
وقد يلوح من بعض متأخّري المتأخّرين كصاحب الحدائق (١) دعوى الاستقراء على عدم جواز الارتكاب ، وفيه منع واضح إذ الموارد التي بملاحظتها حكم بالاستقراء لا تزيد على معدود ، فهي في غاية القلّة ، فكيف الاستقراء.
نعم ، لو بدّل هذه الدعوى بدعوى دلالة (٢) بعض الأخبار الواردة في موارد خاصّة ولو بعد تنقيح مناطها على حرمة الارتكاب ، لم يكن بذلك البعيد.
فمنها : صحيحة زرارة في حديث طويل إلى أن قال : قلت : فإنّي قد علمت أنّه قد أصابه ولم أدر أين هو فأغسله؟ قال عليهالسلام : « تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنّها [ قد ]
__________________
(١) الحدائق ١ : ٥٠٣.
(٢) « س » : ـ دلالة.