وينبغي التنبيه على أمور :
الأوّل :
قد عرفت (١) في نظير المقام في الشبهة الوجوبية أنّ وجوب الإتيان بالمحتملات من باب المقدّمة العلمية وتحصيل اليقين بالبراءة إنّما هو وجوب عقلي لا شرعي لا يترتّب على مخالفته إلاّ ما يترتّب على مخالفة نفس الفعل كما هو الشأن في الإرشاديات بتمامها ، والكلام في المقام هو الكلام فيه بعينه من غير فرق ؛ لاتّحاد المناط ، وهو حكم العقل بلزوم تحصيل البراءة والفراغ عن عهدة التكليف.
وأمّا التجرّي ، فقد عرفت أيضا وجه الكلام فيه (٢) ونزيده هنا في المقام توضيحا بأنّه قد قرّر في محلّه أنّ التجرّي تارة يقع على وجه يكشف عن سوء سريرة الفاعل وخبث طينته فقط من غير أن يكون الفعل متّصفا بالحسن والقبح من هذه الحيثية كما إذا ارتكب الفعل المحرّم في اعتقاده عصيانا على وجه يقرّ بكونه معصية كما في سائر المعاصي لاحتمال تكفيره وحبطه.
وأخرى يقع على وجه يكشف عن قبح الفعل أيضا كما إذا أتى بالفعل للوصول إلى الحرام على أن يكون هو الداعي إليه ، فمرّة للالتذاذ بالفعل المحرّم ، وأخرى للعناد.
فعلى الأوّل لا دليل على حرمة التجرّي بهذا الوجه ، وإنّما يستحقّ اللوم من جهة خبث طينته وكدورة سريرته.
وعلى الثاني والثالث ، فلا ريب في حرمته بل ذلك في الثالث يوجب الكفر.
وبالجملة ، فالقول بحرمة ارتكاب أحد الإناءين المشتبهين على وجه يترتّب على كلّ واحد منهما عقاب على حدة يبقى بلا دليل إذ الحرمة العقلية لا يقضي إلاّ بعقاب (٣) واحد على مخالفة الواقع.
__________________
(١) عرفت في ص ٤٣١.
(٢) « س » : + أيضا. عرفت في ص ٤٣١ ـ ٤٣٢.
(٣) « ج » : لا يقتضي إلاّ لعقاب!