قلت : فقضية ذلك التفصيل في المقامين على أنّه لم يقم دليل خارجي على التعبّد في الأوامر فتدبّر.
الثالث :
أنّ ما ذكرنا من وجوب الاجتناب في الشبهة المحصورة إنّما هو فيما إذا صحّ التكليف لكلّ (١) واحد من الإناءين المشتبهين منجّزا من غير تعليق على شيء سواء لم يكن معلّقا ومشروطا عن أصله أو كان ، ولكن بعد حصول المعلّق عليه والشرط كما إذا كان المكلّف متمكّنا على تمام أطراف الشبهة وكان في محلّ الاحتياج والابتلاء منه ، وأمّا إذا كان الأطراف على وجه لا يصحّ النهي عن ارتكاب كلّ واحد منها تنجيزا (٢) بل كان النهي عنه محتاجا إلى تعليقه على شيء عقلا أو عادة أو عرفا فلا يجب الاجتناب.
أمّا إجمالا ، فلأنّ بعد اعتبار التعليق في النهي كالتعليق على القدرة وعدم حصول المعلّق عليه لا نعلم بتحقّق التكليف في حقّ المكلّف لاحتمال أن يكون الخمر الواقعي هو الطرف الغير المقدور ، فلا نعلم (٣) بحصول التكليف ولو إجمالا فتقلب الشبهة بدوية صرفة ، وقد مرّ الحكم بجريان البراءة فيها إجماعا.
وأمّا تفصيلا ، فلأنّ التعليق فيما إذا حكم به العقل كالقدرة ، فلا كلام فيه لأنّ الواجب المشروط قبل حصول الشرط لا يجدي في حكم من أحكام الواجبات ، فقبل أن يكون المكلّف قادرا على شرب أحد الإناءين لا يتعلّق (٤) به نهي ؛ لقبح النهي عن غير المقدور إذ المفروض حصول المطلوب فيه وهو الترك ، فلا جدوى في النهي أبدا لا تعبّدا ولا توصّلا.
وأمّا إذا حكم به العادة فظاهر أيضا كما إذا كان الخمر في حوصلة طير في جوّ
__________________
(١) « م » : بكلّ.
(٢) « ج » : متنجّزا.
(٣) « س » : فلا يعلم.
(٤) « ج ، س » : لا تتعلّق!