العقل كأنّه بمسمع من المولى وهو يأمره بإتيان الواقع والمفروض عدم حصول العلم بالامتثال ، مع أنّ المطلوب منه هو الامتثال ، فلا مناص من الاحتياط ؛ إذ مجرّد الشكّ في الامتثال يكفي في استقلال العقل في الحكم بالامتثال ، ولا حاجة إلى ملاحظة ثبوته في الزمن السابق ، ولو فرض عدم حكم العقل بلزوم الامتثال ، فلا جدوى في الاستصحاب بل لا معنى له كما عرفت ؛ إذ غاية الأمر عند الشكّ في البراءة يحكم ببقاء الاشتغال بالواقع ، وحيث إنّ المفروض عدم حكم العقل بلزوم الامتثال لا يترتّب على بقاء الاشتغال إتيان المحتمل الآخر إلاّ على تقدير أن يكون الأصل مثبتا لكون الباقي هو الواقع ، فيجب امتثاله كما عند العلم التفصيلي.
ثمّ إنّ مجرّد كون الأصل مثبتا إنّما يجدي فيما إذا اتّحدت الجهة الباقية مثلا ، وإذا تعدّدت المحتملات ، فالأصل على تقدير الإثبات يقضي بأنّ الواقع بين الجهات الباقية ، ولا يجب الامتثال والاحتياط إلاّ على تقدير حكم العقل بلزوم الاحتياط ، والمفروض عدم استقلال (١) العقل به ، فلا يترتّب الإتيان بالمحتملات أيضا على الاستصحاب وإن كان المثبت منه أيضا معوّلا عليه كما يراه بعض من لا تحقيق له.
وقد يستدلّ في المقام بأخبار الاحتياط عموما كقوله : « أخوك دينك » (٢) وقوله : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » (٣).
وقد عرفت (٤) فيما سبق في المقامات السابقة عدم صحّة الاستناد إليها ؛ لضعف سندها وعدم الاعتداد بدلالتها.
نعم ، ربّما يصحّ التأييد بها وخصوصا مثل ما رواه الشيخ عن عليّ بن سندي ، عن صفوان ، عن عبد الرحمن [ بن الحجّاج ] قال : سألت أبا الحسن عليهالسلام عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان : الجزاء بينهما ، أو على كلّ واحد منهما جزاء؟ فقال : « [ لا ] بل عليهما
__________________
(١) « م » : استقلالها!
(٢) تقدّم في ص ٣٦٩.
(٣) تقدّم في ص ٣٦٩.
(٤) عرفت في ص ٣٧٤.