المسألة أنّ العقل ما لم يؤمن الضرر العقابي لا يحكم بالبراءة ، وحيث إنّ العقاب ليس من الممتنعات الذاتية ، فإثبات عدمه وامتناعه من الحكيم لا بدّ وأن يكون مستندا إلى قبحه ، فما لم يثبت قبحه لا تؤمن (١) النفس منه ، وفيما لو شكّ في أنّ المورد من موارد (٢) البراءة ، أو الاحتياط لا شيء هناك يوجب الأمن من العقاب ، فلا بدّ من الاحتياط دفعا لاحتماله كما لا يخفى ، وقد نبّهنا عليه في الأصل السابق.
وقد يقال بأنّ الأصل في خصوص المقام بل ومطلق الشكّ في المكلّف به مع القول بالاحتياط ولو قطع النظر عن هذا الأصل السائر في تمام موارد البراءة والاحتياط.
وقد يقرّر بأنّ منشأ النزاع في أقسام الشكّ في المكلّف به ـ على ما هو صريح كلّ المتخاصمين ـ هو أنّ القائل بالاحتياط يقول في أمثال الموارد أنّ التكليف إنّما هو على الواقع المجهول عندنا ، والعقل حاكم بأنّ التخلّص من العقاب الفعلي المردّد بين الأمرين واجب الدفع ، فيجب الاحتياط ، والقائل بالبراءة يزعم أنّ التكليف ليس على الواقع ، وإنّما المكلّف به هو مؤدّى ما ثبت من الدليل ، وهو إمّا أحد الأمرين ، أو الأقلّ ، فلو سلّم القائل بالبراءة أنّ هناك عقاب فعلي مردّد (٣) بين الأمرين في الواقع مع قطع النظر (٤) عمّا ثبت عنده من الدليل ، لكان القول بالاحتياط متّجها عنده ، فعلى هذا نقول : إنّ القائل بالبراءة يقول بأنّ العقاب الفعلي إنّما هو على الأقلّ ، أو على أحد الأمرين قطعا لما أدّاه إليه الدليل ، والقائل بالاحتياط يقول : إنّ العقاب الفعلي إنّما هو على الواقع المجهول عندنا ، فالشاكّ في أحد الأمرين يقطع بأنّه في الواقع يعاقب عقابا فعليا إمّا على الواقع المجهول ، وإمّا على الثابت بالدليل (٥) ، فيصير من موارد الاحتياط اتّفاقا ؛ لأنّه يقطع بالعقاب الواقعي المردّد بين الأمرين ، والمفروض أنّ القائل بالبراءة لو وجد عنده
__________________
(١) في النسخ : يؤمن.
(٢) « م » : ـ الموارد. « ج » : المورد مورد.
(٣) كذا. والصحيح : عقابا فعليا مردّدا.
(٤) « ج ، م » : ـ النظر.
(٥) « س ، م » : من الدليل.