مثل هذا المورد ، لكان يقول بالاحتياط أيضا ، فيجب القول بالاحتياط ابتداء.
هذا وأنت خبير بما فيه من الخلط والمغالطة ؛ فإنّ الكلام في جريان البراءة في مثل المقام فإنّه لا يزيد على محلّ النزاع في المسألة الفرعية بشيء فإنّ كلام القائل بالاشتغال في المسألة الفرعية هو هذا الكلام بعينه ، فلا يصلح الاستناد (١) إليه في مقام تأسيس أصل مسلّم بين القولين على وجه يكون هو المرجع عند عدم الدليل على أحدهما بالخصوص كما لا يخفى.
وإذ قد تقرّر ما ذكر ، فالمنصور عندنا هو ما ذهب إليه المشهور ، وتحقيق المقام يقتضي رسم أمور :
الأوّل : لا شكّ أنّ الداعي إلى امتثال أوامر المولى على وجه يكون مشتركا بين جميع من يجب عليه الامتثال ، ومن شأنه ذلك هو دفع خوف العقاب ، والتخلّص عن العذاب ، من غير أن يحتاج في ذلك إلى انضمام أمر آخر كتحصيل الثواب والفوز بأعلى درجات الجنّات وإن كان قد يصير مثل ذلك أيضا من الدواعي إليه كما أنّ لبعض من حاز الفضائل وجميع الفواضل داعيا آخر غير ما ذكر مشتملا عليه على وجه أتمّ وأكمل كاستحقاق المعبود للعبادة كما لا يخفى إلاّ أنّ ذلك بواسطة علوّ درجته وقصور مرتبة المكلّفين لا يكون مطّردا ، وإنّما الداعي إلى الامتثال عند الشكّ هو دفع العقاب لاستقلال العقل بلزوم دفعه ، وقد نبّهنا على ذلك فيما تقدّم أيضا ، فيجب الامتثال فيما لو احتمل العقاب ، فكيف بما إذا كان العقاب مقطوعا عند عدم الامتثال كما في الأجزاء المعلومة في الصلاة ، فإنّ ترك تكبيرة الإحرام أو الفاتحة ممّا يترتّب عليه العقاب قطعا ، ولا يجب الامتثال فيما إذا لم يكن العقاب محتملا كما إذا كان في المقام ما يؤمننا من العقاب من عقل أو نقل.
__________________
(١) « ج ، س » : للاستناد.