الثاني : لا فرق بين الواجب النفسي والواجب الغيري في صلاحية نفي كلّ واحد منهما بأصل البراءة (١) ، فكما أنّ أصل البراءة تنفي ما يشكّ في وجوبه النفسي ، فكذلك تنفي ما يشكّ في وجوبه الغيري من غير فرق بينهما.
والسرّ في ذلك أنّ أدلّة البراءة عقلا ونقلا مفادها نفي العقاب ، والبأس عمّا لا يعلم وجوبه ، أو حرمته وذلك بالنسبة إلى الواجب النفسي والغيري سواء لا لما قد يتوهّم من ترتّب العقاب على الواجب الغيري كالواجب النفسي بل من حيث إنّ تارك الواجب الغيري والمتلبّس بالترك لا يصير معاقبا ومتلبّسا بالعقاب ولو من حيث أدائه إلى ترك الواجب الغيري ، فإنّ تركه فيما نحن فيه عين ترك الواجب النفسي ؛ لأنّ ترك المركّب من جهة التركيب عين ترك جزء منه كما لا يخفى ، فأدلّة (٢) البراءة تحكم بأنّ المشكوك وما لا يعلمون لا يصير منشأ وموجبا للعقاب سواء كان العقاب ممّا يترتّب عليه في حدّ ذاته ، أو ممّا يترتّب على شيء آخر بواسطته ، وليس فيها (٣) ما يخصّص ذلك بالأوّل ، فلا بدّ من الأخذ بإطلاقها ، ودعوى انصراف الأمر والنهي في « كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه أمر أو نهي » (٤) إلى النفسيين ممنوعة على مدّعيها ، كيف ولا نفرق شيئا في ذلك إذ غاية ما يسلّم من ذلك هو فيما لو كان هناك عنوان الوجوب ، أو (٥) الواجب ، وأمّا في الأمر والنهي ، فالإنصاف عدم الفرق بين الأقسام ، فإنّ هذه أمور اصطلاحية جعلية لا مدخل لها في انصراف الألفاظ إليها.
على أنّ الأخبار النافية للمؤاخذة والعقاب وأمثاله خالية عن لفظ الأمر والنهي
__________________
(١) فرّق بينهما في الفصول : ص ٣٥٧ وذهب إلى جريان أصل البراءة في الواجبات النفسية دون الواجبات الغيرية كما سيأتي في ص ٥٤٢ وذهب إليه شريف العلماء كما صرّح به في بحر الفوائد ٢ : ١٥١ بدعوى عدم جريان القاعدة بالنسبة إلى الوجوب الغيري المشكوك من حيث إنّ العقاب على تقدير ثبوته على ترك الواجب النفسي لا الغيري. انظر أيضا فرائد الأصول ٢ : ٣٢٩.
(٢) « س » : فإنّ أدلّة.
(٣) « م » : فيهما!
(٤) تقدّم في ص ١٥٩.
(٥) « س » : و.