الفعلي عنه بالخصوص من عقل أو نقل ، وأمّا إذا كان في (١) أحد الأطراف ما يقضي بذلك ، فلا مناص من القول بالبدلية إذ لا معنى لرفع الامتثال ؛ للزوم التناقض على تقدير العلم بالطلب والتكليف ، ولا معنى للحكم بعدم كون أحد الأطراف مقدّمة علمية ، لاستلزامه خلاف الفرض ، فإنّ المفروض أنّه من أطراف العلم الإجمالي ، فلم يبق إلاّ البدلية كما التزمنا بذلك فيما أسقط الشارع في المتباينين وجوب بعض الأطراف كما في جهات القبلة والصلاة الفائتة على ما مرّ ، وكما التزمنا به في الملاقي لأحد الإناءين المشتبهين.
والسرّ في ذلك هو ما عرفت في أوّل الأمور من أنّ تحمّل العقل للتكليف والامتثال ليس إلاّ بواسطة دفع احتمال العقاب ، وبعد ما تطمئنّ (٢) النفس من العقاب بواسطة أصل من الأصول العملية الغير المعارضة بمثله ، فالعلم الإجمالي ممّا لا يجدي شيئا ، ولا يقضي بوجوب الإتيان به مقدّمة لانتفاء المناط.
وإذ قد تقرّر هذه الأمور ، فنقول : إنّ مقتضى العلم الإجمالي وإن كان هو الإتيان بالأكثر عند دوران الأمر بينه وبين الأقلّ لكونه مقدّمة علمية للامتثال بالمعلوم الإجمالي إلاّ أنّ أدلّة البراءة ـ : عقلها ونقلها ـ واردة على هذا الحكم العقلي الموجب للإتيان والامتثال كما في الشبهة البدوية ، فإنّ وجوب الجزء الزائد أمر مشكوك غير معلوم لنا ، وقد رفع العقاب والمؤاخذة عن هذه الأمّة المرحومة في كلّ ما لا يعلمون لعموم الموصولة ، فترك الجزء المشكوك رفع العقاب والمؤاخذة عنه وهو المطلوب.
فإن قلت : لا يجري البراءة في الأجزاء.
قلنا : المانع عن الجريان إن كان دعوى اختصاص أدلّتها بالواجبات النفسية ، فقد عرفت عدم تسليمها ، وإن كان من حيث إنّ أدلّة البراءة مفادها نفي العقاب ولا عقاب على الواجبات الغيرية ، فقد عرفت أيضا أنّ مفادها عدم ترتّب العقاب على ترك
__________________
(١) « ج » : ـ في.
(٢) في النسخ : يطمئن.