إثبات أنّ الواجب هو الأقلّ المجرّد بمعنى عدم وجوب الأمر الزائد ، فإثبات الأصل غير مضرّ ؛ فإنّ الفصل عدمي وهو عين مفاد البراءة كما لا يخفى.
وتحقيق المقام ، على وجه ينكشف الظلام ، عن وجه المرام ، هو أنّ المانع من القول بالبراءة عند الشكّ في جزئية شيء يحتمل أن يكون أحد الأمور الثلاثة :
الأوّل : امتناع جريان البراءة في الأجزاء باختصاص دليلها بغيرها.
الثاني : معارضة الأصل بمثله بعد القول بجريانه.
الثالث : عدم الجدوى فيه على فرض الجريان وعدم المعارضة ، وحيث إنّ كلّ واحد منها قد خالف فيه بعض القائلين بالاحتياط ، فلا جرم نفصّل القول في كلّ واحد منها لتبيّن جليّة الحال ، وحقيقة المقال ، فهاهنا مقامات :
[ المقام ] الأوّل
قد عرفت (١) في ثاني الأمور المتقدّمة عدم الفرق بين أقسام الواجب في جريان البراءة وعموم أدلّتها فيها ، لإطباقها على نفي العقاب والضيق وإثبات الإطلاق والسعة عن كلّ ما فيه ضيق وتقييد وعقاب من غير أن يكون العقاب ممّا يترتّب على ذات الفعل في حدّ ذاته ، أو باعتبار أمر آخر كما مرّ مفصّلا إلاّ أنّ للخصم أن يقرّر مطلوبه بوجه آخر كأن يقول :
إنّ القائل بالبراءة إن أراد نفي جزئية ما هو مشكوك الجزئية بالبراءة ، لإطلاق ما دلّ على وضع ما حجب علمه ، فظاهر السقوط ؛ لأنّ من المقرّر في مقامه أنّ الجزئية ليست من الأحكام الجعلية الموضوعية حتّى تكون (٢) مرفوعة عند عدم العلم بها ، فإنّها كالكلّية منتزعة من خطاب الشارع بوجوب الإتيان بالفاتحة مثلا ، فكما أنّ الكلّية ليست إلاّ ما ينتزعها العقل من لزوم الإتيان بعدّة أمور مرتبطة بعضها بآخر في
__________________
(١) عرفت في ص ٥٢٣.
(٢) في النسخ : يكون.