ونحن حيث فرغنا من إبطال التخصيصين ، فجريان البراءة فيما دار الأمر بين المطلق والمقيّد ممّا لا كلام فيه عندنا.
فإن قلت : قد مرّ فيما سبق أنّ وجود العلم الإجمالي مع فقد طريق يعيّن أحد الأطراف يوجب الاحتياط ، والأصل في المقام معارض بمثله ، فلا مجال للقول بالبراءة ؛ إذ المطلق بوصف الإطلاق يباين المقيّد ، فإنّه أحد أقسام الماهية المجرّدة كما هي مورد القسمة ، فكما أنّ الأصل براءة الذمّة عن المقيّد ، فالأصل براءة الذمّة عن المطلق ؛ إذ هو حينئذ في عرض المقيّد ، وليس لك أن تقول : إنّ وجوب المطلق في الجملة معلوم ، وإنّما الشكّ في وجوبه النفسي ، أو الغيري إذ المطلق ليس مقدّمة للمقيّد بل هما في محلّهما طبيعتان متباينتان كما يظهر من ملاحظة انقسام الماهية التي ليست إلاّ هي إليهما كما لا يخفى ، فالأصل معارض بمثله ، فيجب الاحتياط كما يظهر من المحقّق القمّي (١) على ما وجّه به كلامه بعض تلامذته في بعض تعليقاته على ما نقله الأستاد دام علاه.
قلت : قد عرفت فيما مرّ أنّ المناط في مسائل البراءة والاشتغال هو حكم العقل بلزوم دفع العقاب في جانب الاشتغال ، والأمن منه في طرف البراءة كيف ما اتّفق وفيما دار الأمر بين المطلق والمقيّد وإن كان رجوعه إلى المتباينين إلاّ أنّ العقاب في طرف المطلق معلوم ، ولا يجدي الاستفصال في أنّ الموجب للعقاب أيّ شيء بعد العلم بترتّبه في طرف ترك المطلق ، وبالجملة فالظاهر جريان البراءة بالنسبة إلى القيود أيضا.
وأمّا الموانع والقواطع لو شكّ فيهما ، فهل يدفعان بالأصل ، أو لا؟ الأقرب : نعم.
وتوضيح ذلك : أنّ المانع والقاطع مرجعهما إلى اشتراط عدم أمر وجودي ، فبالحقيقة الشكّ في المانعية والقاطعية راجع إلى الشكّ في الشرطية ، وقد عرفت جريان البراءة فيه.
__________________
(١) « س » : + رحمهالله.