التفصيلي وهو بعيد.
فظهر ممّا ذكرنا دليل وجوب الفحص أيضا إذ يحتمل في كلّ مورد ترتّب العقاب ويجب دفعه بحكم العقل القاطع كما ظهر أنّ الفحص واجب شرطي يجب عند عدم الاحتياط إذ لا ضير في الاحتياط كما سبق.
ومن ذلك ينقدح أنّ الفحص ليس من شرائط اعتبار البراءة على ما يظهر من بعضهم (١) بل التحقيق أن لا مجرى للبراءة بدونه ؛ إذ دليل البراءة ليس إلاّ قبح العقاب بدون البيان.
وأمّا الأخبار ، فجملة منها (٢) مفادها مثل مفاد العقل ، وبعض (٣) الآخر منزّلة عليه كما مرّ ، والعقل لا يقبّح تعذيب تارك الفحص والعامل بالبراءة : فإنّ مناط حكمه بالقبح هو معذورية المكلّف ، ولا عذر عند عدم الفحص ، ولا فرق في ذلك بين ما كان في موارد العمل بالبراءة علم إجمالي كما في أمثال زماننا ، أو لم يكن ، ألا ترى أنّ الفحص في معجزة النبيّ واجب ، ولا يجوز الاتّكال على البراءة مع احتمال صدقه وإن لم يكن علم إجمالي إذ لا عذر لمن ترك النظر.
فالبراءة لا مجرى لها عند عدم الفحص ، وذلك بخلاف الاستصحاب إذ أدلّتها عقلا ونقلا جارية عند عدم الفحص ؛ لصدق الشكّ واليقين المقوّمين في معناه.
فإن قيل : إنّ أخبار البراءة أيضا بعضها لا يعتبر فيها إلاّ الشكّ وعدم العلم كقوله : « الناس فى سعة ما لا يعلمون » (٤) وغير ذلك ، فلا فرق بينها وبين الاستصحاب.
قيل : قد عرفت أنّ المستفاد من مجموعها عدم العقاب على المعذور ، ولا عذر لغير المتفحّص ، وهذا هو العمدة في وجوب الفحص عند العمل بالبراءة ، ويؤيّده وجوه
__________________
(١) كالقمّي في القوانين ٢ : ٤٦ ، والأصفهاني في الفصول : ٣٦٥ ، والنراقي في المناهج : ٢٣٢.
(٢) « ج ، م » : ـ منها.
(٣) كذا.
(٤) تقدّم في ص ١٥٨ و ٣٥٥ و ٥٢٨.