مادّة وهيئة بل وأطباعهم مجبولة على ذلك حتّى لو ورد بخلاف ذلك لفظ ، فإنّما هو لا بدّ وأن يكون بعد دلالة دليل عليه ، وذلك مثل ما فطرهم الله في حمل الألفاظ على المعاني الحقيقية عند الترديد بينها وبين مجازاتها ، وعليه يبنى (١) جملة من الأحكام الشرعية في الأقارير والوصايا والأوقاف ونحوها ، فلو أقرّ زيد لعمر وبمال ، يؤخذ بإقراره ، ولو استند إلى إرادة معنى لا يتعارف استفادته منه ، لم يسمع منه ، كما أنّه كذلك فيما لو أنكر إرادة المعنى الحقيقي أو المعنى رأسا منه ، وليس ذلك كلّه إلاّ للقاعدة المزبورة ، وقضيّتها أن يكون كلّ كلام من كلّ متكلّم مسوقا لبيان ما هو المتعارف في الاستفادة منه ، وأن لا يكون واردا على سبيل التعمية والإلغاز ، فمتى شكّ في ذلك على أحد الوجهين ، يحكم بالأوّل إلى دلالة دليل على التعمية والإلغاز ، ومنه يستعلم حال أرباب التصانيف من ذوي الملل الفاسدة ، والمذاهب الكاسدة ، فوضوحه يمنع من (٢) إطالة الكلام.
ومن هنا يظهر ضعف مقالة البعض (٣) في الردّ على الأخبارين بقبح التكليف وإرادة ما هو خلاف ظاهر الكلام منه ، فإنّ الكلام في أصل الإرادة والخطاب فربما يدّعي الخصم انتفاءها ، ويلتزم بأنّ الكتاب كلّه من الإلغاز والرموز مثل فواتح السور ، ولكن على ما قلنا ظهر وجود المقتضي ، فليس ظواهر الكتاب إلاّ كظواهر غيره من الكتب.
وأمّا الثاني : فلأنّ ما يتوهّم كونه مانعا ـ سواء استند إليه أو لا ـ وجهان :
الأوّل : الأخبار الدالّة على أنّ علم القرآن مخصوص بالأئمّة ، وعلى حرمة تفسيره بالرأي ، وهي كثيرة مذكورة في مجمع البيان (٤) ، ويجمعها ما عرفت.
__________________
(١) « ش » : يبتني.
(٢) « ش » : عن.
(٣) انظر مفاتيح الأصول : ١١.
(٤) انظر مجمع البيان ١ : ٧٥ ( مقدّمة الكتاب ) و ٨٠ ( الفنّ الثالث ).