وقد يستدلّ بأخبار أخر أيضا لا دلالة فيها على الاستصحاب في موردها أيضا ، كالرواية الأخيرة ، فإنّها ظاهرة في الشبهة الموضوعية الغير المسبوقة بالحالة السابقة كما هو محلّ البراءة ، ومثل رواية عبد الله بن سنان المذكورة في مباحث البراءة ، من قوله : « كلّ شيء [ يكون فيه حلال وحرام فهو ] لك حلال [ أبدا ] حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه » (١) وعدم ارتباطها بالمقام ممّا لا ينبغي الكلام فيه.
ومنها : ما قد اشتهرت روايته (٢) ولم نجدها في كتب الحديث على ما أفاده الأستاد ـ أديم ظلاله ـ من قوله : « كلّ ماء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر » (٣) وقول الصادق عليهالسلام في موثقة عمّار : « كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر » (٤) والتقريب فيهما أنّ كلمة « قذر » فعل ماض ، وحصول القذارة في الشيء مسبوق بالعلم بالطهارة ، فمفاد الروايتين طهارة كلّ ماء ونظافة كلّ شيء علم طهارته أو نظافته حتّى يحصل العلم بقذارته وأنّه حصل فيه وصف القذارة ، إلاّ أنّ ذلك غير معيّن ؛ لوجود احتمالات أخر في الرواية ، بل وهو (٥) أقبح الوجوه. والتحقيق أنّ الرواية الأخيرة يحتمل وجوها ، فإنّ لفظة « قذر » يحتمل الماضوية ، والوصفية ، وعلى الأوّل : يحتمل أن يكون المراد الشبهة الموضوعية فقط ، أو الحكمية فقط ، أو الأعمّ ، وعلى الأخير : يحتمل الشبهة الموضوعية الغير المسبوقة بالعلم بالطهارة ، أو الحكمية كذلك ، أو الأعمّ كذلك ، أو المسبوقة بالعلم بالطهارة في الموضوعات ، أو في الأحكام ، أو فيهما ، أو الأعمّ من المسبوقة بالعلم والغير المسبوقة على اختلاف احتمالاتها من الاختصاص بالموضوع ، أو الحكم ، أو الأعمّ منهما ، فيرتقى
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٨٧ ـ ٨٨ ، باب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، ح ١ ، و ٢٤ : ٢٣٦ ، باب ٦٤ من أبواب الأطعمة والأشربة ، ح ٢. وتقدّم في بحث البراءة ج ٣ ، ص ٣٥٩.
(٢) « م » : روايتها.
(٣) وسائل الشيعة ١ : ١٣٣ ، باب ١ من أبواب الماء المطلق ، ح ٢ ، وفيه : « ... طاهر إلاّ ما علمت أنّه قذر » و ١٣٤ ، ح ٥ ، و ١٤٢ ، باب ٤ ، ح ٢ ، وفيه : « الماء كلّه طاهر ... ».
(٤) وسائل الشيعة ٣ : ٤٦٧ ، باب ٣٧ من أبواب النجاسات ، ح ٤.
(٥) « ز ، ك » : هذا.