وبالجملة : فهذه القاعدة مقرّرة عند الأخبارية ، ففي موارد هذه الشكوك لا يستندون إلى الاستصحاب ، فموارد العمل بالاستصحاب عندهم هي مواضع الشكّ في المقتضي ، وبملاحظة هذه القاعدة تندفع النقوض المذكورة من كلامه ، فإنّ من (١) البعيد (٢) في الغاية عدم تفطّنه لمثل هذه الأمور الواضحة الجليّة ، كيف وهو من فحول الصناعة وبزل الفنّ؟
فالتحقيق في دفع ما أفاده الفاضل أن يقال : إنّ كلامه غير محصّل المراد ، فإنّ صدره يشعر بما نسب إليه من التفصيل بين الأحكام التكليفية والوضعية على ما هو ظاهر ، وذيل إفاداته يؤذّن بتفصيل (٣) آخر وهو القول بحجّية الاستصحاب وجريانه في الأمور الخارجية والموضوعات التي يتعلّق بها الأحكام ، وعدمها في الأحكام الشرعية التكليفية والوضعية ، على ما يظهر من قوله ـ بعد التقسيم المذكور في كلامه أوّلا وذكر الأسباب الشرعية ـ : وجميع ذلك ليس من الاستصحاب في شيء ، وقوله : فظهر ممّا مرّ أنّ الاستصحاب المختلف فيه لا يكون إلاّ في الأحكام الوضعية أعني الأسباب والشرائط والموانع للأحكام الخمسة ، انتهى. وجريان الاستصحاب في نفس تلك الأحكام إنّما هو بتبعية جريانه فيها عنده.
وكيف كان فإن أراد الأوّل على ما يقتضيه ظاهر النسبة إليه فيرد عليه :
أوّلا : النقض بما إذا ثبت الحكم بدليل لبّي كالإجماع أو الشهرة على القول بها بعد العلم باستمراره في الجملة مع الشكّ في مقداره أو حصول معارض محتمل أو احتمال عروض ما هو المانع أو فى حصول الحدّ إذا كان محدودا ، وبما لو شكّ في النسخ ، وبما لو شكّ في صدق التكرار وعدمه عرفا بدون الإتيان بفرد ، وبما لو شكّ في الوجوب في الوقت إذا فقد المكلّف شرطا من شروطه كما إذا صار فاقد الطهورين ، وبما إذا دار
__________________
(١) « م » : ـ من.
(٢) « ج » : البعد.
(٣) « ج » : تفصيل.