وإن أراد الثاني فمرجع التفصيل في كلامه إلى التفصيل المنسوب إلى من هو من أهل مشربه من الأخباريين ، فيسقط عنه النقوض المذكورة وينطبق (١) مثاله لما هو بصدده ، ويبقى الكلام في تزييفه فيما ستعرفه في الهداية الأخبارية (٢) ، إلاّ أنّه مع ذلك فلا يخلو ما نقلناه من كلامه كغيره من وجوه النظر ، فإنّه جعل الأحكام الاقتضائية هو الواجب والمندوب والمكروه والحرام والأحكام التخييرية الدالّة على الإباحة مع أنّ الأحكام الاقتضائية هي نفس تلك الأوصاف لا الذات المأخوذة معها تلك الأوصاف ، والحكم التخييري هو مجرّد الإباحة لا الدالّ عليها. ودعوى الإجماع على عدم جريان الاستصحاب في الموقّت مع وجود المخالف ، باطلة قطعا ، غاية الأمر بطلان المذهب ، ولا ينافي وجود القول كما نفاه. وحكمه بعدم جريان الاستصحاب في النهي على وجه الأولوية قد عرفت أنّ جريانه فيه أولى. وحكمه بدوام السببية (٣) في الإيجاب والقبول ممّا لا دليل عليه ، غاية الأمر اعتبار الدوام في المسبب إذا حصل في الخارج ، وأمّا نفس السبب فقد يحتمل إهماله على بعض الوجوه ، ولذا يشكّ في جواز العقد بالفارسية بعد موت المفتي به مثلا. وقوله : فإنّ ثبوت الحكم في جزئه إلخ ، يستفاد منه اشتراط طبيعة الاستصحاب بعدم الدليل في الواقع في الزمان الثاني مع كفاية انتفائه عند الأخذ بالاستصحاب. وقوله : فظهر أنّ الاستصحاب المختلف فيه لا يكون إلاّ في الأسباب والشرائط والموانع من حيث إنّها كذلك ووقوعه في الأحكام الخمسة إنّما هو بتبعيتها ، فيه أنّه لم يظهر منه جريانه لا في الوضعية ولا في التكليفية ، فلا يخلو من التهافت.
والقول بأنّ المستفاد من كلامه أنّ السببية تارة : دائمة ، وأخرى : وقتية ، فتبقى المهملة مجرى للاستصحاب ، ينافيه ظهور كلامه في الحصر بينهما ، على أنّه لو تمّ لجرى في الأحكام التكليفيّة ، فتأمّل في المقام فلعلّه لا يخلو عن شيء.
__________________
(١) « ج » : تنطبق.
(٢) انظر ص ١٩٠.
(٣) « ج » : السبب.