ثمّ قد يؤيّد كلام الفاضل المذكور بوجه وجيه أفاده الأستاد أنار الله برهانه وملخّصه ما أشير إليه سابقا من أنّ الحكم الشرعي غير معلوم بجميع أنحائه وخصوصياته ، فيحتمل تقييده بمكان أو زمان ، وبعد ذلك فلا يجري الاستصحاب ، وتوضيحه وتنقيحه أنّ (١) ممّا برهنّا عليه في محلّه تبعية (٢) الأحكام الشرعية للصفات الكامنة والمصالح الموجودة في نفس الأفعال التي هي متعلّقات لتلك الأحكام ، ومن الواضح الجليّ اختلاف الصفات باختلاف وجوه الفعل واعتباراته كاختلاف نفس الفعل باختلاف الحركات والسكنات ، فإنّه ليس خارجا عنهما ، فقد يكون الفعل حسنا في زمان دون زمان أو في مكان دون مكان ، وقد يكون قبيحا إذا كان من فاعل كذا في مكان كذا في زمان كذا عن آلة كذائية ، وقد يكون قبيحا على وجه الإطلاق كما قد يكون حسنا كذلك ، فالفعل في كلّ هذه الصور ليس حاله متّحدا ؛ إذ يختلف بتلك الوجوه ، وهذه الاختلافات كما يلاحظ في الامساك فإنّه قد يعدّ قبيحا إذا لم يكن صاحب المال محتاجا مع احتياج الغير إليه (٣) حاجة شديدة ، وقد يعدّ واجبا إذا كان صرفه في الغير ـ سيّما مع عدم الحاجة إليه ـ موجبا لإهلاك نفسه ، وناهيك (٤) عن ذلك ملاحظة الأدوية التي يعالج بها الأمراض البدنية ، فإنّ تأثير الأفعال في تصحيح الأمراض النفسانية وتمريض النفوس الناسوتية ليس (٥) في محلّ تنال إليه يد الإنكار ، فإنّ برهان ذلك بعد حكومة الوجدان به على منار ، فربّ دواء يرطّب في مزاج ويجفّف في آخر ، ويبرّد في طبع ويسخّن (٦) في آخر ، فهما في الواقع مختلفان باعتبار وقوعهما في الحالتين ، فالأمر بأحدهما لا يوجب الأمر بالآخر. ولا ريب في أنّ (٧) الآمر
__________________
(١) « ز ، ك » : أنّه.
(٢) « ج ، م » : بتبعية.
(٣) « ج » : له.
(٤) في هامش « ز » : أي حسبك.
(٥) « ك » : التي ليس.
(٦) « ز ، ك » : يثخن.
(٧) « ج ، م » : ـ في.