إذا أمر بشيء وطلب وقوعه من المأمور إنّما يأمر ويطلب شيئا معلوما عنده على وجوه اختلافه ، فإن كان مطلقا فيطلبه كذلك ، وإن كان مقيّدا فيطلبه على تقييده ، فإنّ إنشاء الأمر والطلب تابع إطلاقه وتقييده بالزمان والمكان والحال والوصف والشرط والإضافة وغيرها من الأمور المتعلّقة بالأفعال التي تختلف باختلافها وتتكثّر بتكثّرها لإطلاق الفعل الذي اقتضت المصلحة الكامنة فيه بالأمر به وتقييده بالأمور المذكورة ، وذلك مشاهد من الأوامر المختلفة على وجوه شتّى في العرف والشرع ، فربّما يكون الشيء واجبا عينيا مضيّقا وأخرى موسّعا ، وتارة كفائيا على الوجهين ، وأخرى شرطيا ، وتارة تعليقيا ، ومرّة تخييريا ، إلى غير ذلك من وجوه الاختلاف ، فاختلاف الأمر في هذه الأفعال بواسطة اختلاف ضروب المصالح الموجودة فيها.
وإذ قد تحقّقت هذه الجملة تحقّق عندك عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية عند الشكّ في كيفية الحكم ومدخلية شيء في ذلك ، وتوضيحه أنّه إذا ثبت وجوب شيء في زمان ، ثمّ شكّ في زمان آخر في بقائه ، فالمستصحب إن أراد به إبقاء الإنشاء الصادر من الآمر حين الشكّ ، فهو غير معقول ؛ لأنّ الإنشاء لا يراد به (١) إلاّ الإرادة الحتمية ، ولا شبهة في كونها آنية غير متقرّرة في الوجود ، فيستحيل بقاؤها.
وإن أراد به إبقاء الأثر الحاصل من الإنشاء المتعلّق بالفعل المنشأ فيه الوجوب الذي يعبّر عنه بالمطلوبية والمحبوبية ، فلا يجوز استصحابه ، فإنّ الإنشاء إن كان متعلّقا بالفعل في الزمان فالحالة المذكورة تنعدم بعد مضيّ الزمان الأوّل ، وإن كان متعلّقا به من دون اعتبار زمان فيه أو مع اعتبار زمان أطول منه فالحالة المذكورة باقية قطعا ، ولا شكّ في عدم جريان الاستصحاب على التقديرين ؛ للقطع بالارتفاع في الأوّل ، وبالبقاء في الثاني ، وإن كان وجه تعلّق الإنشاء بالفعل مشكوكا ، فلا يجري الاستصحاب أيضا ؛ لأنّه عبارة عن إبقاء الحكم في الزمان الثاني فيما كان (٢) فيه الحكم
__________________
(١) « ج ، م » : ـ به.
(٢) « ز ، ك » : فيما لو كان.