أيضا يجب الحكم بالنجاسة إذا لم يحصل اليقين بما يرفعها ، والثاني مثل ما إذا ثبت رطوبة ثوب في زمان ، فبعد ذلك الزمان أيضا يحكم برطوبته ما لم يعلم الجفاف ، وذهب بعضهم إلى حجّيته بقسميه ، وبعضهم إلى حجّية القسم الأوّل فقط.
واستدلّ كلّ من الفريقين بدلائل مذكورة في محلّها كلّها قاصرة عن إفادة المرام كما يظهر عند التأمّل (١) فيها ، ولم نتعرّض لذكرها هنا ، بل نشير إلى ما هو الظاهر عندنا في هذا الباب فنقول : الظاهر أنّ الاستصحاب بهذا المعنى لا حجّية فيه أصلا بكلا قسميه ؛ إذ لا دليل عليه تامّا ، لا عقلا ولا نقلا.
نعم الظاهر حجّية الاستصحاب بمعنى آخر وهو أن يكون دليل شرعي على أنّ الحكم الفلاني بعد تحقّقه ثابت إلى حدوث حال كذا أو وقت كذا ـ مثلا ـ معيّن في الواقع بلا اشتراطه بشيء أصلا ، فحينئذ إذا حصل ذلك الحكم فيلزم الحكم باستمراره إلى أن يعلم وجود ما جعل مزيلا له ، ولا يحكم بنفيه بمجرّد الشكّ في وجوده (٢) ، انتهى.
وصراحة نفيه الاستصحاب المتنازع فيه (٣) بين القوم كافية عن تقريب دلالته على ما ذكرنا ، والوجه فيه أنّ ما أفاده منطبق على بعض موارد الاستصحاب ، وهذا لا يوجب التفصيل فيه ، وذلك نظير ما لو توافق الاستصحاب مع البراءة ، فالقول بالبراءة لا يعدّ تفصيلا في الاستصحاب بعد اختلاف المناط ، فإنّ مناط الاستصحاب هو الوجود السابق ، ومناط ما أفاده هو نفس الشكّ في الفراغ بعد تيقّن الاشتغال ، غاية الأمر جريان الاستصحاب في المقام (٤) أيضا.
وتوضيح المطلب : إذا ورد من الشارع أمر بصوم الغد إلى الليل وشكّ في تحقّق الغاية ووصول الليل ، فتارة : يؤخذ لوجوب الإمساك في الوقت المشكوك بالاستصحاب كما عليه القوم ، وتارة : بالاشتغال كما عليه المحقّق ، وأخرى : يؤخذ
__________________
(١) « ز ، ك » : يظهر للمتأمّل.
(٢) مشارق الشموس : ٧٥ و ٧٦.
(٣) « ج ، م » : ـ فيه.
(٤) « ز ، ك » : ـ في المقام.