بذلك ، وأمّا الثاني : فيظهر منه فيما أورده على وجه السؤال بقوله : « هل الشكّ في كونه إلخ » فإنّ لازم تضعيف أدلّة الاستصحاب والحكم بإجمالها حجّيته في الصورتين اللتين نبّه عليهما فقط : الأولى : الشكّ في وجود الغاية المعلومة أو المزيل المعلوم ، الثانية : الشكّ في صدق الغاية على شيء ، فالأوّل كما إذا شكّ في وجود الليل (١) بعد كونه غاية للصوم ، أو في حدوث البول بعد العلم بكونه مزيلا للطهارة ، و (٢) الثاني كالشكّ في صدق النوم المزيل على الخفقة والخفقتين (٣) مثلا ، ويجمعهما الشكّ من جهة الاشتباه في الأمر الخارجي بعد العلم بالحكم الشرعي ، وأمّا إذا كان الشكّ في نفس الحكم الشرعي كالشكّ في مانعية المذي للطهارة بعد العلم بعدم صدق المزيل المعلوم المزيلية وهو البول عليه ، وكالشكّ في إزالة النجاسة بالتمسيح بحجر واحد ذي ثلاث شعب بعد العلم بعدم كونه من مصاديق ثلاثة أحجار ، فالاستصحاب ليس حجّة عنده فيه وإن كان من أقسام الشكّ في المانعية ؛ لأنّه لو فرض عدم الشكّ لا يلزم منه اليقين كما أخذه معيارا في مجاري استصحابه.
وأمّا التمسّك بنفس الخطاب الدالّ على الحكم ، فلا وجه له عنده أيضا ؛ لعدم تعرّض دليل الوضوء لحال عروض المذي ، ولذلك لم يحكم بجريان قاعدة الاشتغال في هذه الصورة أيضا ، فجريان الاستصحاب فيها موقوف على ما يراه القوم فيه ولا يتمّ على ما ذكره.
هذا تمام الكلام في توضيح ما أفاده واستخراج مرامه من ألفاظه الشريفة فها أنا أشرع في الإيراد عليه متمسّكا بالعروة الوثقى والحبل المتين الذي أودعه الله ببركات مولانا الأمير في نفوسنا.
فأقول : إنّ خلاصة ما استدلّ به على مطلبه وجهان : أحدهما : الأخذ بقاعدة
__________________
(١) « ز » : الدليل ، وكذا في « ك » ثمّ غيّر بـ « الليل ».
(٢) « ز ، ك » : ـ و.
(٣) « ج ، م » : الخفقتان.