وثانيا : بأنّ تحصيل القطع أو الظنّ بالامتثال إنّما يلزم مع القطع أو الظنّ بثبوت التكليف ، وفي زمان الشكّ ليس شيء منهما حاصلا ولو تمسّك بأنّ الشكّ إنّما هو في أوّل النظر ، وأمّا مع ملاحظة اليقين السابق فالحاصل هو الظنّ ببقاء التكليف ، فيكون المرجع هو ما قاله القوم ، ونحن كما نطالبهم بدليل التعويل على مثل هذا الظنّ نطالبه قدسسره أيضا ، والظاهر أنّ بناء كلامه رحمهالله (١) على أنّ اليقين بشغل الذمّة إذا حصل فلا بدّ من اليقين أو الظنّ بالبراءة ولا أقلّ من الظنّ وإن صار يقين شغل الذمّة بعد عروض الشكّ بالبراءة (٢) مشكوكا فيه أيضا ، وقد ادّعى الإجماع على هذا أيضا (٣) ، انتهى ما أورده السيّد على المحقّق المذكور.
وفيه : أنّ ما ذكره في الوجه الأوّل في الإيراد ـ وإن كان وجيها في بادئ الأنظار ، فإنّ المورد إذا كان من موارد الاشتغال كالصوم المعتبر فيه الارتباط بين الأجزاء ، فلا فرق في جريان القاعدة بين أن يكون الخطاب مغيّا بغاية كقوله : « صم إلى الليل » أو لم يكن كما إذا قال : « صم » من دون أخذ الغاية ، فيعمّ الدليل غير المطلوب ـ إلاّ أنّ من المقرّر في مقامه ـ كما يقتضيه النظر الدقيق ـ عدم ورود هذا الإيراد على المحقّق المذكور ؛ لأنّ الحكم الشرعي قد يعلم تعلّقه بعنوان معلوم كوجوب الصوم إلى مجيء الليل مثلا ، وإنّما يكون الشكّ في امتثال هذا العنوان ، فيشكّ في تحقّق الصوم من زمان كذا إلى غاية كذائية ، وحينئذ لا بدّ من الاحتياط ، ومثل ذلك ما لو نذر صوم بين هلالي رجب وشعبان وشكّ في يوم أنّه من أيّ الشهرين ، فإنّه لا بدّ من صيامه عملا بالاحتياط اللازم. وقد يعلم تعلّقه بعنوان غير معلوم المراد كما إذا تعلّق الوجوب بالصوم النهاري وشكّ في أنّه هل هو يتمّ عند سقوط القرص أو عند ذهاب الحمرة المشرقية لغة؟ كما في الأقلّ والأكثر الارتباطيين في الشبهة الحكمية على ما سبق تحقيق القول فيها ،
__________________
(١) « ز ، ك » : ـ رحمهالله.
(٢) في المصدر : في البراءة.
(٣) شرح الوافية ( مخطوط ) ١٣٢ / ب ـ ١٣٣ / أ.