وحينئذ فلا دليل على وجوب الاحتياط ، بل التحقيق هو الأخذ بالبراءة. ولازم هذه المقدّمة ثبوت الفرق بين موارد الاستصحاب على ما ذكره القوم وبينه (١) على ما ذكره ، ومن هنا يظهر وجه الضعف في الوجه الثاني أيضا ، ولعلّه تنبّه بضعفه (٢) المورد أيضا كما أشعر بذلك (٣) في قوله : « والظاهر أنّ بناء كلامه » وإلى ما ذكرنا يرجع ما أفاده المحقّق القمي في دفع (٤) ما أورده السيّد ، فلا مساس لما أورده بعض الأجلّة في الاعتراض عليه بكلامه ، فلاحظ وتأمّل تهتدي إلى ما هو الحقّ بإفاضة من الموفّق الهادي.
ويرد على الوجه الثاني من وجهي استدلاله : أنّ قوله في معنى الرواية : ـ إنّ المراد منها عدم جواز النقض عند التعارض ، وجعله معنى التعارض أن يكون هناك شيء يوجب اليقين لو لا الشكّ ، وحسبانه أنّ هذا المعنى لا ينطبق على استصحاب القوم ، بل هو مختصّ بما أفاده ـ ممّا لم يظهر له وجه وجيه ، بل لعلّه ممّا لا يستقيم بوجه ، أمّا حمله الرواية على المعنى المذكور فالوجه فيه هو ما عرفته من استفادة ذلك من مادّة النقض والدفع والدخل ، والجواب عن ذلك أنّ الأقربية وإن اقتضت حمل الرواية على ما ذكره إلاّ أنّ هناك قرائن أخر توجب حملها على ما هو متفاهم القوم من إرادة ترتيب مطلق الآثار التي يترتّب على المتيقّن ممّا هي لا يترتّب على نفس صفة العلم كما ستعرف الوجه في هذا التقييد ، ففيما لو شكّ في ثبوت الشفعة أو الخيار في زمان بعد العلم بهما في الجملة لا بدّ من الأخذ بالاستصحاب جريا على طريقة القوم.
أمّا أوّلا : فلأنّ المعنى المذكور من الرواية ممّا لا ينساق عرفا بعد العرض على الأفهام المستقيمة الخالية عن شوائب الأوهام ؛ لظهور ابتنائه على الدقّة التي لا تصل إليها إلاّ الأوحدي ، ومن البعيد في الغاية حمل الروايات التي هي منساقة على متفاهم العرف على مثل هذه الوجوه البعيدة عن أذهانهم ، فإنّ الذهن (٥) لا يكاد يلتفت إلى هذا
__________________
(١) « م » : وفيه.
(٢) « ز ، ك » : لضعفه.
(٣) « ز ، ك » : به.
(٤) « م ، ك » : رفع.
(٥) « م » : الناس.