ومن هنا ينقدح لك القول برجوع النزاع بين الفريقين لفظيا.
فكيف كان ، فلنا على ما صرنا إليه من النفي وجهان :
[ الوجه ] الأوّل (١) : أصالة عدم الجعل ؛ لعدم الحاجة إليها بعد كفاية جعل الأحكام التكليفية عنها اللازم جعلها من باب اللطف كما قرّر في محلّه. وأمّا بيان الكفاية فهو أنّه لا شكّ ولا شبهة في أنّ الأحكام الخمسة التكليفية مجعولات للشارع ، فإنّه اللطف الذي يجب عليه تعالى ، على أنّه (٢) الإيجاب لا يعقل بدون الجعل والإنشاء كالتحريم وأخواتهما ، فإذا صدر الطلب من الطالب فلا ريب في احتياجه إلى متعلّق ؛ ضرورة استحالة الطلب بدون (٣) المطلوب ، فهو إمّا أن يكون مركّبا من جزءين فصاعدا ، أو بسيطا ، وعلى التقديرين إمّا أن يكون ذلك المطلوب مقيّدا بقيد من الأمور التي ينبغي أن تلاحظ في المطلوب ، وجوديا كان أو عدميا كما إذا طلب الإتيان بالماء البارد أو الصافي ، أو يكون مطلقا من غير ملاحظة شيء فيه ، وعلى التقادير فإمّا أن يكون الطلب معلّقا على حصول أمر من وقت أو حال كالأمر بالصلاة عند الزوال ودلوك الشمس ، وإمّا أن يكون مطلقا غير معلّق على حصول شيء. في كلّ هذه الأقسام لا حاجة إلى جعل شيء (٤) من الأحكام الوضعية التي تستفاد من هذه الخطابات ، فإنّ بعد ما فرضنا أنّ الطلب تعلّق بإيجاد المكلّف الصلاة عند زوال الشمس مواجها للقبلة في حالة الطهارة ، فلا حاجة إلى إنشاء سببية الزوال (٥) وجعله سببا للصلاة ، كما لا حاجة إلى جعل شرطية الطهارة والقبلة ، كما لا حاجة إلى جعل مطابقتها للأمر وعدم مطابقتها له (٦) على تقدير الإتيان بها على ما هي عليها من الأجزاء والشرائط أو الإخلال بها بوجه من الوجوه ، فإنّ هذه الأمور اعتبارات عقلية ينتزعها العقل بعد
__________________
(١) سيأتي الثاني منهما في ص ١٧٠.
(٢) كذا. ولعلّ الصواب : أنّ.
(٣) « م » : « من ».
(٤) « ج » : بشيء ، وفي « ز ، ك » : الشيء.
(٥) « ج » : إنشائية الزوال.
(٦) « م » : ـ له.