كون المطلوب واقعا على وجه من الوجوه ، فينتزع الجزئية عند تعلّق الطلب بمركّب كما ينتزع الكلّية أيضا ، ولذلك لم يذهب وهم إلى أنّ كلّية الكلّ (١) أمر جعلي إنشائي لكفاية تعلّق الطلب بمركّب عنه ، وينتزع الشرطية على تقدير تعلّق الطلب بأمر ملحوظ فيه وجود شيء كالطهارة في الصلاة والبرودة في الماء ، والمانعية على تقدير تعلّقه بأمر ملحوظ فيه عدم شيء كالحدث في الصلاة والتراب في الماء مثلا ، والسببية على تقدير تعلّقه بأمر معلّق على شيء كالصلاة المعلّقة على الوقت مثلا ، والصحة فيما إذا وقع الفعل المأمور به على وجهه ، والفساد إذا لم يقع عليه ، فلو قال الآمر ـ بعد جعله الحكم التكليفي ـ : إنّي قد جعلت الوقت سببا أو الطهارة شرطا أو الحدث مانعا ، كان ذلك لغوا صرفا ويجب تنزيه الشارع الحكيم عنه البتّة.
لا يقال : إنّ ما ذكرته إنّما يتمّ بعد فرض صدور الأحكام التكليفية ، ومن أين لك إثبات هذا المعنى في جميع موارد الأحكام الوضعية؟! فلعلّه كان جعل السببية مقدّما على جعل إيجاب الصلاة في الوقت ، فيكون جعل تلك الأحكام مغنيا (٢) عن الحكم التكليفي.
لأنّا نقول : إنّ (٣) سببية الدلوك للصلاة لا يراد بها سببية لذات الصلاة ، فلا بدّ أن يكون المراد لوجوبها (٤) ، ولا يعقل (٥) وجوب الصلاة بدون الطلب ، فيرجع جعل السببية إلى جعل الطلب والوجوب الذي هو حكم تكليفي ، فالمتأصّل في مقام الجعل هو الطلب دون الحكم الوضعي.
فإن قلت : إنّ الأدلّة الشرعية صريحة في كون الأحكام الوضعية متعلّقة للجعل ،
__________________
(١) « ز ، ك » : الكلّي.
(٢) « م » : مغيّا.
(٣) « ز ، ك » : ـ إنّ.
(٤) « ك » : سببية لوجوبها.
(٥) « ج » : فلا يعقل ، وفي « ز » : لا يعقل.