الوجه الثاني من الوجهين (١) : أنّ الأمور التي يتوهّم كونها أحكاما وضعية من الخمسة المعروفة أو مع زيادة العلّة والعلامة والرخصة والعزيمة ، غير قابلة للجعل بالأصالة ؛ لأنّها من الأمور المنجعلة بذواتها بعد تعلّق الجعل الأصيل (٢) بمحالّها ، فتعلّق الجعل بها ثانيا تحصيل للحاصل واستحالته ضرورية فطرية.
أمّا الأوّل : فقد عرفت فيما تقدّم أنّ كلّ واحد من هذه الأمور اعتبار عقلي منتزع عن أمر جعلي شرعي بحسب اختلاف مراتب المجعول الشرعي التابع لاختلاف المصالح الداعية إلى الجعل (٣) والطلب على وجه خاصّ وجهة مخصوصة ، فقد تقضي (٤) المصلحة باعتبار زمان أو مكان أو آلة مخصوصة أو فاعل خاصّ على حالتي الاجتماع مع الغير أو الافتراق ، مقدّما أو مؤخّرا ، مرتّبا أو غير مرتّب ، إلى غير ذلك من وجوه اختلافات (٥) الكيفيات المكتنفة بالأفعال التي هي موارد للطلب ومحالّ للجعل التكليفي ، فبحسب اختلاف هذه (٦) الكيفيات ينتزع العقل هذه الأوصاف ، وهذا أمر في غاية الظهور ، والعجب من بعض الأجلّة (٧) حيث إنّه قد بالغ في ذلك مبلغه مع وضوحه.
وأمّا الثاني : فظاهر لا حاجة إلى بيانه وتوضيحه ، مضافا إلى أنّ الجعل لا بدّ من قيامه بالجاعل ؛ لأنّه من الأمور الصادرة عنه ، فهو من قبيل أفاعيله كالضرب للضارب والقتل للقاتل ، ولا ريب في قيام هذه الأوصاف بغير الجاعل ؛ لقيام السببية بالدلوك والجزئية بالسورة والشرطية بالطهارة والمانعية بالحدث ، فكيف يمكن أن يكون هذه الأمور مجعولة؟ وذلك يصحّ في التكليفيات فإنّ الإباحة فعل المبيح ، وتعلّق الأحكام التكليفية بالغير كتعلّق الوجوب بالصلاة أو الحرمة بالخمر غير مضرّ فيما نحن بصدده ؛ لأنّ الإيجاب عند التحقيق عين الوجوب ذاتا وإن تغايرا (٨) اعتبارا
__________________
(١) تقدّم الأوّل منهما ص ١٦٣.
(٢) « ج » : الأصلي.
(٣) « ز ، ك » : للجعل.
(٤) « ج » : تقتضي.
(٥) « ج » : اختلاف.
(٦) « م » : ـ هذه.
(٧) الفصول : ٣٣٦.
(٨) « ج ، م » : وإن تغايره.