بمعنى أنّ الموجود في الخارج ليس إلاّ شيئا واحدا (١) يسمّى إيجابا بملاحظة صدوره عن الفاعل ووجوبا باعتبار تعلّقه بالقابل ، فالوجوب هو الطلب ذاتا لا اعتبارا.
فإن قلت : التسبّب كالإيجاب متّحد مع السببية ، فهو قائم بالجاعل ، وقيام السببية بالغير غير مضرّ كما في الوجوب.
قلت : إن أريد من التسبّب بيان كون الشيء متّصفا بالصفة المذكورة فذلك أمر مسلّم ولا ضير فيه ؛ لأنّ البيان ولو كان في هذه الأمور غير خارج عن وظيفة الشارع. وإن كان المراد إحداث السببية وإبداعها وإيجادها ، فهو أمر غير معقول إلاّ برجوعه إلى حكم تكليفي ، وعند ذلك فحصول السببية قهري فلا يحتاج إلى أن يصير موردا للجعل بالأصالة ، نعم يصحّ استناد الجعل إلى هذه الأمور مجازا ؛ لكونها مجعولات بالتبع ، كما في إسناد الجعل (٢) التكويني إلى لوازم الماهيات المجعولة جعلا تكوينيا أصالة على القول بذلك ، فإسناد الجعل إلى الحرارة اللازمة لماهيّة النار في الخارج ، أو إلى الزوجية اللازمة للأربعة ، وإن كان صحيحا باعتبار أنّها مجعولة بواسطة تعلّق الجعل بملزومها إلاّ أنّه إسناد مجازي كما هو ظاهر (٣) ـ (٤).
بقي الكلام فيما أورده بعض الأعيان من المعاصرين (٥) على المحقّق الخوانساري فيما أورده من التحقيق من رجوع الأحكام الوضعية إلى التكليفية كما نقلناه في أوّل الهداية ، فنقول : أمّا ما أورده من لزوم انحصار الأحكام في الثلاثة ، ففساده ظاهر ؛ لأنّ المناط ليس على مجرّد إمكان رجوع البعض إلى آخر ، بل المناط عدم الحاجة إلى الجعل وامتناعه ، فإن أراد الامتناع كما هو المناط في التحقيق المذكور فسقوطه في غاية
__________________
(١) في النسخ : شيء واحد.
(٢) « ز ، ك » : ـ الجعل.
(٣) « م » : ـ كما هو ظاهر.
(٤) في هامش النسخ ما عدا « ج » : ( و « م » ) لا يخفى ما في المقام من الطفرة ، فتأمّل. « منه »
(٥) هو الكلباسي في اشارات الأصول كما تقدّم في ص ١٥٩.