إذ الشكّ في انتقاض الطهارة بخروج المذي حاصل حين اليقين بالطهارة أيضا ، فتحصل (١) عند المكلّف قضيّة كلّية واقعية قائلة بأنّ كلّ فرد من أفراد المذي مشكوك الناقضية مثلا ، ولا شكّ أنّها قضيّة (٢) حقيقية لا خارجية ، فيعمّ الحكم الأفراد المحقّقة والمقدّرة ، فكما أنّ الحيوانية في قولنا : « كلّ إنسان حيوان » يعمّ جميع أفراد الموضوع على وجه يحكم بحيوانية زيد بعد وجوده بتلك الحيوانية التي حكمنا بها على الإنسان لا بحيوانية غيرها ، فكذلك الشكّ الحاصل في ناقضية المذي الخاصّ إنّما هو بعينه هو الشكّ المحمول على المذي في القضيّة المفروضة ، وإنّما حصل في المقام متعلّق هذا الشكّ على وجه التفصيل (٣) عن (٤) الكلّي. ألا ترى أنّه لو فرض علمنا بقيام زيد في الغد قبل حضوره فعنده لا يحصل لنا حالة إدراكية عدا ما كان لنا قبل كما لا يخفى.
ومن هنا يظهر أنّ ما احتاله (٥) بعض الأجلّة (٦) في الجواب المذكور تبعا لغيره من تقدّم الشكّ التقديري دون الفعلي ، ممّا لا يجديه ، وهل هذا إلاّ كرّ على ما فرّ؟ لما عرفت من عدم حدوث حالة ثانوية بعد خروج المذي ، فتدبّر.
والتحقيق في الجواب هو أن يقال : إنّ نقض اليقين إنّما هو بالشكّ في تمام الموارد المفروضة ، ولا يجوز عند العقل نقض اليقين بغير الشكّ أو اليقين بخلافه ؛ إذ لا ارتباط بين اليقين بوجود الطهارة ووجود المذي حتّى يمكن انتقاضه بوجود المذي ، فإنّه حالة نفسانية ولا دخل للامور الخارجية فيه إلاّ إعدادها لانتقاض اليقين بالشكّ ؛ إذ نقض اليقين ليس إلاّ رفعه ، ورفعه إمّا بيقين مثله على خلافه أو لعدم العلم به والتردّد ، فلا نقض في جميع الصور المفروضة إلاّ بالشكّ ، ولهذا ترى الانحصار في قول أبي جعفر عليهالسلام : « وإنّما ينقضه بيقين مثله » (٧) إذ لا يسبق وهم إلى انتقاض اليقين بيقين غيره على
__________________
(١) المثبت من « م » وفي سائر النسخ : فيحصل.
(٢) « ز ، ك » : ولا شكّ في الناقضية.
(٣) المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : الفضل.
(٤) « ز ، ك » : من.
(٥) « ز ، ك » : احتمله.
(٦) الفصول : ٣٧٢.
(٧) تقدّم في ص ٨٨.