القضيّة الأخرى عرفا وإن كان قيد من قيود موضوعه مرفوعا ، فالموضوع باق والقضيّة متّحدة ويجري فيها الاستصحاب ، فمن جملة ما لا يعتني العرف بشأنه في اختلاف الموضوع هو الزمان ؛ لأنّ المفهوم عندهم في القضيّة القائلة بأنّ زيدا كان قائما ـ مثلا ـ هو كون الرابطة الزمانية ظرفا لوقوع النسبة فيها لا قيدا للموضوع أو المحمول والمظروف من حيث هو مظروف ومأخوذ (١) بهذه الملاحظة وإن كان يختلف باختلاف الظرف عند النظر الدقيق ، إلاّ أنّ أهل العرف يتسامحون فيه أيضا ويحكمون بالاتّحاد ، فالقضيّة المعلومة ممّا لا مخالفة لها عرفا للمشكوكة منها ، فيكون من مجاري الاستصحاب ، وإن كان الزمان مختلفا فيهما ، وكذا كلّ ما يعبّر عندهم بالحال.
وبالجملة : فنحن لو احتملنا اختلاف الموضوع وتبدّله لا نحكم بجريان الاستصحاب إلاّ أنّ الكلام معهم يرجع (٢) إلى الصغرى ، مثلا لو استفدنا جواز تقليد المجتهد العادل الحيّ من دليل شرعي فبعد انتفاء قيد من قيوده كالحياة أو العدالة واحتمال اعتباره في الموضوع لا نحكم بجواز التقليد للاستصحاب على ما هو ظاهر ، بخلاف ما لم نحتمل ذلك وإن انتفى القيد ولو بواسطة الرجوع إلى دليل الحكم على وجه تطمئنّ (٣) النفس (٤) بأنّ الموضوع هو الذات المجرّدة ، وربّما يختلف التعبير في ذلك كما إذا قال : « الماء المتغيّر كذا » أو قال : « الماء إذا تغيّر حكمه كذا » فإنّ الظاهر من الأوّل هو كون الماء المقيّد بالتغيّر موضوعا للحكم فلو زال القيد لا مجال للاستصحاب فيه ، ومن الثاني كون (٥) الماء نفسه موضوعا.
فالحاصل : أنّ دعوى انحصار صور الاستصحاب بتمامها فيما زعمه باطلة يكذّبها الوجدان فضلا عن البرهان ، وسيجيء لذلك زيادة تحقيق (٦) في الخاتمة (٧) إن شاء الله
__________________
(١) « ج ، م » : مأخوذا.
(٢) « ز ، ك » : راجع.
(٣) في النسخ : يطمئن.
(٤) « ك » : به النفس.
(٥) « ز ، ك » : بكون ، وفي « م » : يكون.
(٦) « ز ، ك » : بيان.
(٧) المراد بها هداية تقوّم الاستصحاب ببقاء الموضوع في ص ٣٨٧ ـ ٣٨٨.