وإن أريد أنّ (١) الأصول العدمية اللفظية معتبرة معمولة في مواردها بواسطة بناء العقلاء وحصول الظنّ بالاستصحاب ، فلا ضير فيه ؛ إذ قد عرفت أنّ الاستصحاب لو كان من حيث الظنّ وبناء العقلاء يترتّب عليه الآثار العقلية والعادية وما يترتّب عليهما كائنا ما كان ، بل التحقيق أن ليس العمل بها فيها إلاّ بمجرّد بناء العقلاء ، ولذلك كان من الأمور المتّفق عليها كما مرّ ، وليس عمل العقلاء بها إلاّ بواسطة تلك الآثار ، فهي المطلوبة في تلك الاستصحابات على وجه يتخيّل في بادئ الرأي أنّها بأنفسها مجاز لتلك الأصول كما هو ظاهر.
هذا هو الكلام في المسألة الأصولية على ما هو قضيّة التحقيق ، إلاّ أنّ موارد تلك الأصول ـ التي يترتّب على المستصحب فيها الآثار الشرعية بتوسّط أمر عاديّ أو عقلي ، فليسمّ بالأصول المثبتة كما اصطلح عليها (٢) شيخ المتأخّرين كاشف الغطاء في الفقه (٣) ـ في غاية الاختلاف ، فربّما لا يعتنون (٤) بتلك الأصول ، كما لو فرضنا وجود النار على جسم قابل للانفعال منها ، ثمّ شككنا فيها ، فإنّه لا يذهب وهم إلى ترتّب الآثار الشرعية المترتّبة على وجود النار (٥) بواسطة لوازمها العاديّة ، كالإحراق مثلا ، فباستصحاب وجود النار لا يحكمون بضمان من كان سببا لإلقاء (٦) النار على ذلك الجسم ، وكذا لو أنّ شخصا رمى غيره بسهم وكان على وجه لو لم يمنعه مانع من الوصول إليه لكان مهلكا له ، فبأصالة عدم المانع لا يترتّب ضمان الرامي ؛ إذ ليس الضمان في المثالين من لوازم وجود النار وعدم المانع ، بل إنّما يترتّب عليهما بواسطة أمر عاديّ هو الإحراق عادة في النار ، والهلاك عادة في السهم ، وذلك ظاهر. وكذا تراهم
__________________
(١) « م » : بأنّ ، وفي « ج » : إمكان!
(٢) المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : عليه.
(٣) كشف الغطاء ٢ : ١٠٢ وفي ط الحجري : ١٠٢ في المقام العاشر.
(٤) « ج ، م » : لا يفتنون.
(٥) من قوله : « على جسم » إلى هنا سقط من « ز ، ك ».
(٦) « ج » : لإبقاء.