نحن فيه من قبيل الثاني فإنّ وجوب الإتيان بالمأمور به عند الشكّ في الامتثال مترتّب على مجرّد الشكّ في الامتثال ولا بدّ من البراءة اليقينية ، فقولهم : « الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية » ناظر إلى إحراز القيد وهو تحصيل اليقين ، ولا يجوز الاقتناع بالشكّ ، فإنّ المناط في ذلك هو لزوم دفع الضرر على ما هو صريح العقل القاطع كما في نظائره من وجوب شكر المنعم ونحوه ، ومجرّد حصول المناط كاف في الحكم بآثاره المترتّبة عليه ولا حاجة في ذلك إلى إحراز المستصحب بالاستصحاب لترتيب هذه الآثار.
وأمّا الثاني : فلأنّا لو سلّمنا الاحتياج إلى إحراز المستصحب وجودا أو عدما في المقام حتّى يترتّب عليه الآثار المطلوبة فتلك الآثار ممّا لا يترتّب (١) على المستصحب. بيان ذلك أنّ الاشتغال عبارة عن صفة منتزعة من الإنشاء والطلب بالنسبة إلى المكلّف بمعنى أنّ الطالب بعد ما أنشأ الطلب التكليفي بالقول أو كشف عنه بعد إيجاده في نفسه بواسطة القول على اختلاف القولين ، يمكن أن ينتزع (٢) من المكلّف صفة يعبّر عنها بالاشتغال كما ينتزع من الفعل كونه مطلوبا ، وبذلك يصحّ إطلاق الطالب على الآمر أيضا ، وهاهنا (٣) معنى آخر يعبّر عنه بالوجوب تارة وبالإيجاب أخرى على اختلاف الاعتبارات ، وهو المراد بالحكم الشرعي ومرجعه إلى أحد الأخيرين ، وليس هذا الإنشاء عندنا ـ كما عليه المحقّقون ـ إلاّ الإرادة الجازمة والكراهة الثابتة بناء على أنّ الطلب هو عين الإرادة لا ما يستتبعه وإن كان مغايرا له ، ولا أمر آخر مفارق له كما زعمه الأشاعرة.
وبالجملة : فالوجوب الذي هو حكم شرعي يكون في عرض الاشتغال إن فرضنا الوجوب بالنسبة إلى الفعل ، وهما معلولان حينئذ لعلّة ثالثة وهو الإيجاب والطلب والإرادة ، وإن لاحظناه (٤) بالنسبة إلى الطالب فالاشتغال مترتّب عليه عقلا ، وعلى
__________________
(١) « ز ، ك » : ممّا يترتّب.
(٢) « ج ، ز » : ينزع.
(٣) « ز ، ك » : هنا.
(٤) « ز ، ك » : لاحظنا.