وبعبارة واضحة : إنّ المقصود بالاستصحاب (١) هو الحكم بوجوب الأجزاء الباقية التي هي إحدى (٢) طرفي الترديد وهذا ممّا لا يترتّب على استصحاب الأمر المجمل إلاّ أن يكون الأصل مثبتا ، أو قلنا باستثناء هذه الموارد ـ باعتبار خفاء الواسطة أو اتّحادها وجودا مع المستصحب ـ من الأصول المثبتة ، فإنّ بقاء الوجوب وإن كان يغاير وجوب الباقي مفهوما إلاّ أنّه (٣) لا مصداق للمستصحب إلاّ أن يكون الباقي واجبا كما في مثال بقاء الكرّ.
الثاني : أنّ تلك الأجزاء التي شكّ في وجوبها كانت واجبة في السابق عند التمكّن ، فيستصحب وجوبها إلى أن يحصل القطع بالارتفاع.
وفيه : أنّ من الواجب في جريان الاستصحاب كما مرّ غير مرّة اتّحاد القضيّة المشكوكة والقضيّة المتيقّنة موضوعا ومحمولا ، فلو اختلف عنوان الموضوع أو المحمول فلا يجري فيه الاستصحاب ، والمقام ممّا يغيّر فيه الموضوع والمحمول كلاهما :
أمّا الأوّل : فلأنّ المتّصف بالوجوب من هذه الأجزاء لم يكن ذواتها ، بل هي بعنوان أنّها أجزاء كانت متّصفة بالوجوب ، وقد تبدّل ذلك العنوان فإنّها قد صارت معنونة بعنوان الكلّية ؛ إذ ليس (٤) الكلّ حينئذ إلاّ تلك الأجزاء.
وأمّا الثاني : فلأنّ الوجوب المحمول على تلك الأجزاء ، عند التمكّن من الكلّ [ ليس إلا ] وجوبا مقدّميا تبعيا وقد تبدّل بالوجوب النفسي ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الأجزاء مطلوبة بأوامر متعدّدة مستقلّة ، وبين أن يكون الأمر بها مستفادا من الأمر بالكلّ ؛ إذ على تقديره لا يزيد على إفادة كونها مطلوبة للغير ، إذ احتمال المطلوبية النفسية عند الشكّ مدفوع بأصالة البراءة كما هو ظاهر ، فإثبات وجوب تلك الأجزاء وجوبا نفسيا باستصحاب وجوبها عند التمكّن ليس إلاّ كإثبات قعود عمرو
__________________
(١) « ز ، ك » : أنّ الاستصحاب.
(٢) « ج ، م » : أحد.
(٣) « ج ، م » : أن.
(٤) « ج » : ليست.