إلى أن قال : فاتّضح ممّا حقّقنا أنّ الفاضل المذكور قد خلط بين المقامين من حيث إنّ صدر كلامه يدلّ على مصيره إلى الجواز في المقام الأوّل ، وذيله على إثبات الجواز في المقام الثاني ، واتّضح أيضا ضعف دليله وعدم مساعدة ما استشهد به من كلام الأصحاب على ما أرسله ، فثبّت ولا تغفل (١) ـ (٢) ، انتهى ما أورده الملخّص (٣) في الفصول بتغيير (٤) وإسقاط ما وتلخيص في الجملة.
أقول ـ وبالله التوفيق وهو الهادي إلى كلّ الصواب وحقّ الصواب (٥) ـ : ولقد أجاد المعترض في بعض ما أورده ولكنّه ما أجاد في الكلّ ، وتوضيح المقام وتحقيقه أنّ الاستصحاب تارة : يلاحظ بالنسبة إلى سائر الأصول المعمولة في موارد الشكّ من أصالة البراءة والطهارة والاشتغال ونحوها ، ولا شكّ في تقديم الاستصحاب على تلك الأصول ؛ لأنّ ما دلّ على اعتبارها مغيّا بغاية تتحقّق (٦) بالاستصحاب كأمثال الأدلّة الاجتهادية لفظية أو غيرها ، وأخرى : يلاحظ بالنسبة إلى الأدلّة الاجتهادية من العمومات المنجّزة كقوله تعالى : ( أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ )(٧) ونحوه من عمومات الحلّ كقوله : ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً )(٨) فإنّ التحقيق على ما عرفت فيما قدّمنا في أصالة الاباحة عدم دلالتها على إثبات الحلّ في مقام الشكّ والظاهر كما هو المراد بالأصل ، ومثل قوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ )(٩) ممّا يستفاد من مساقها أو من دليل خارجي من الاستثناء ونحوه استمرار الأحكام المدلول عليها بتلك العمومات ، وقد عرفت فيما مرّ من التحقيق أنّ العامّ المقصور على استغراق الأفراد ممّا لا كلام فيه.
__________________
(١) « ز ، ك » : فلا تغفل.
(٢) الفصول : ٢١٤ ـ ٢١٥.
(٣) « ج ، م » : ـ الملخّص.
(٤) « ز ، م » : بتغيّر.
(٥) « ز ، ك » : ـ وبالله ... الصواب.
(٦) في النسخ : يتحقّق.
(٧) المائدة : ٤ و ٥.
(٨) البقرة : ٢٩.
(٩) المائدة : ٣.