وجه المطلوب لكنت أقول : إنّ قضيّة ما ذكرنا عدم جريان الاستصحاب في الصورة الأولى أيضا ، وأمّا عرفا فيختلف فيه الأمثلة في الصورتين على ما عرفت ، فربّما نقطع (١) بالمسامحة وربّما نقطع بعدمها ، فالأمر في تشخيص ذلك في غاية الإشكال ونهاية الصعوبة ، فتدبّر.
ثمّ إنّ الفاضل التوني قد أورد في الوافية كلاما يقرب ممّا ذكرنا حيث قال : الرابع : أن يكون الحكم الشرعي المترتّب على الأمر الوضعي المستصحب ثابتا في الوقت الأوّل ويكون الحكم في الوقت الثاني فرعا لثبوته (٢) في الأوّل ، فإذا لم يثبت في الزمان الأوّل فكيف يمكن إثباته في الزمان الثاني؟ ثمّ فرّع عليه عدم إمكان إثبات النجاسة باستصحاب عدم المذبوحية في الجلد المطروح ؛ لأنّ النجاسة لم تكن (٣) ثابتة في وقت الحياة ، قال : والسرّ فيه أنّ عدم المذبوحية لازم لأمرين : الحياة ، والموت حتف أنفه ، والموجب للنجاسة ليس هذا اللازم من حيث هو هو بل ملزومه الثاني أعني الموت حتف أنفه ، فعدم المذبوحية لازم أعمّ لموجب النجاسة ، فعدم المذبوحية العارض للحياة مغاير لعدم المذبوحية العارض للموت حتف أنفه ، والمعلوم ثبوته في الزمان الأوّل هو الأوّل لا الثاني وظاهر أنّه غير باق في الزمان الثاني ، ففي الحقيقة يخرج مثل هذه الصورة من الاستصحاب ؛ إذ شرطه بقاء الموضوع وعدمه هنا (٤) معلوم.
قال : وليس مثل المتمسّك بهذا الاستصحاب إلاّ مثل من تمسّك على وجود عمرو في الدار في الوقت الثاني باستصحاب بقاء الضاحك المتحقّق بوجود زيد في الدار في الوقت الأوّل ، وفساده غنيّ عن البيان (٥) ، انتهى كلامه.
__________________
(١) المثبت من « ز » وفي سائر النسخ : يقطع.
(٢) في المصدر : الوقت الأوّل إذ ثبوت الحكم في الوقت الثاني فرع لثبوت الحكم.
(٣) « ج ، م » : لم يكن.
(٤) « ج » : هاهنا.
(٥) الوافية : ٢١٠.