قلت : المقدّر عدم اختلاف الموضوع ؛ لأنّ محلّ الكلام إنّما هو فيما إذا كان الحكم ثابتا لعنوان المكلّف من حيث هو مكلّف ولا يختلف هذا العنوان بالوجود والعدم ، فإنّه لو ثبت الحكم لعنوان من العناوين كالحلّية للغنم و (١) الحرمة للخمر فلا يختلف الحكم في الأفراد الموجودة والمعدومة ، فلو فرضنا اجتماع الأفراد في الوجود كان الحكم ثابتا لها كما أنّه لو كان الكلّ معدوما ، ففيما إذا كان البعض موجودا والآخر معدوما لا ينبغي القول بالاختلاف على ما هو المفروض ، فالشكّ إنّما هو بسبب اختلاف الأزمان الواقع فيها نوع المكلّف ، فالموجود والمعدوم مع قطع النظر عن الشكّ الزماني حالهم بالنسبة إلى شمول الدليل لهم سواء.
وإن أبيت عن ذلك وعسر فهم مثل هذه الأمور الجليّة الواضحة عليك فلنلزمك (٢) بما هو قريب من مذاقك فنفرض شخصا واجدا لزمان النبيّ وزمان غيره بعده فنثبت (٣) الحكم في حقّه بالاستصحاب ويتمّ (٤) في الباقي بالإجماع (٥) المركّب ، ولا يمكن القلب استنادا إلى البراءة ؛ لورود الاستصحاب عليها ، فتأمّل.
هذا إذا كان الحكم ثابتا في شريعة واحدة ، وأمّا إذا تعدّدت الشرائع فهل ينسحب الحكم الثابت في إحداها في الأخرى بالاستصحاب أو لا؟ وجهان ، بل المنقول من القوم قولان ، وفصّل محقّق القوانين (٦) بين ما نقل في الأخرى على طريق المدح لهم ولهذه الأمّة وبين غيره ، ولعلّه ليس تفصيلا في جريان الاستصحاب ، بل هو تفصيل في مجرّد الاتّباع لحكم ثابت في الشرائع السابقة في شريعتنا كما يظهر ممّا عنون به الفصل فإنّه أعمّ من أن يكون ثبوت الحكم بالاستصحاب في شريعتنا أو بغيره ، ومع ذلك فلا يكاد يتمّ ؛ إذ لا شكّ في وجوب اتّباع ما ثبت في شريعتنا ولو بأيّ نحو كان ، والكلام
__________________
(١) « ج ، م » : أو.
(٢) « ز ، ك » : فلألزمك.
(٣) « ج ، ك » : فثبت.
(٤) « ز ، ك » : نتمّ.
(٥) في النسخ : بإجماع.
(٦) القوانين ١ : ٤٩٥.