إنّما هو في اتّباع الحكم الثابت في الشريعة السابقة ووجوبه في حقّنا لا في العمل بما علمنا بكونه مشروعا في ملّتنا بواسطة نقله من الشرائع السابقة.
وكيف كان فالذي يقتضيه جليّ (١) النظر القول بجريان الاستصحاب (٢) فيما إذا ثبت الحكم في تلك الشريعة لعنوان المكلّف على نحو ما فرضناه في الشريعة الواحدة ، فإنّه لا مانع من الاستصحاب فيه كما أنّه لا مانع من الأخذ بالعموم الثابت في تلك الشريعة والأخذ بأحكامه إن لم يستفد منه اختصاصه بتلك الشريعة ، كما إذا اشتمل على لفظ « أبدا » أو « إلى يوم القيامة » مثلا ؛ لعدم الفارق بين ثبوت الحكم على أحد الوجهين في الشريعة الواحدة أو في الشريعتين.
وقصارى ما يتوهّم في الفرق بينهما : أنّ تبليغ الرسول ممّا له مدخل في الحكم فيختلف الحكمان باختلاف الرسول ، سواء كان الحكم الثابت في لسان أحدهما مخالفا لما ثبت من الآخر أو موافقا لاختلافه باختلاف الحيثية ، ففيما لو شككنا في ارتفاع الحكم الذي جاء به نبيّنا صلىاللهعليهوآله يصحّ الأخذ بالاستصحاب في إثباته في زمن الشكّ ، بخلاف ما لو كان الحكم ثابتا في إحدى الشرائع السابقة فإنّ استصحابه ممّا لا يجدي في ثبوت الحكم في حقّنا ؛ لأنّ الأخذ بواسطة الرسول ممّا هو كجزء موضوع للحكم فلا يصغى إليه وإن قطعنا به ، فضلا من أن يكون مستصحبا ، ولا أقلّ من الشكّ في مدخلية التبليغ في الحكم ومعه لا مسرح للاستصحاب أيضا.
وفيه : أنّه لم يثبت من الأخبار ولا من غيره من طرق الاعتبار مدخلية تبليغ النبيّ في الحكم ، بل إنّما هو مرآة عن الواقع ، وبعد الوصول إلى ما هو الواقع من الأحكام الإلهية لا ينبغي التأمّل في وجوب الأخذ به كما أشبعنا الكلام فيه في المباحث الماضية ، بل ولا يعقل ذلك بعد ما عرفت من أنّ الجهات المحسّنة والمقبّحة علل تامّة وإنّما
__________________
(١) « ز ، ك » : ـ جليّ.
(٢) سيوافيك على ما يقتضيه دقيق النظر عدم جريان الاستصحاب في ص ٣٦٦ ـ ٣٦٨.