شيئان آخران :
الأوّل (١) : أنّ الاستصحاب ممّا لا مجرى له بعد العلم الإجمالي بورود (٢) النسخ في الأحكام الثابتة في الشرائع السابقة ، فإنّ قضيّة ذلك عدم الاعتداد بالاستصحاب في حكم من أحكامها ، لوجوب إحراز (٣) المعلوم بالإجمال في أطراف الشبهة وترك العمل بتمامها مقدّمة كما عرفت في الشبهة المحصورة ، فإنّ المقام أيضا منها ، فلا يمكن الأخذ بالأصل في الكلّ لمخالفته للعلم الإجمالي ، ولا الأخذ بالبعض لاستلزامه الترجيح بلا مرجّح مع التعيين ولعدم ما يقضي (٤) بالتخيير مع عدمه.
وقد يجاب عن ذلك بأنّ المعلوم بالإجمال ممّا علم تفصيلا بوجودها في ضمن الأحكام المعلومة الموجودة عندنا.
وفيه : منع واضح إن أريد العلم بوجود المنسوخات في الشرائع السابقة بتمامها في الأحكام الموجودة عندنا ؛ إذ على هذا التقدير لا معنى للشكّ في منسوخية الحكم المفروض في مجرى الاستصحاب على ما هو ظاهر. وإن أريد أنّ الموجود عندنا من الأحكام إنّما هو (٥) القدر المعلوم لنا إجمالا لا منسوخه (٦) وإن لم نعلم بكونه محرزا فيها ، فلا يجدي ؛ لوجوب العلم بالموافقة القطعية وترك الأطراف جميعا.
والتحقيق في الجواب أن يقال : إنّ المقصود من إحراز المنسوخات في الأحكام الثابتة في الشرائع السابقة إنّما هو العلم (٧) بتلك الأحكام المنسوخة على الوجه الذي صار منسوخا في شريعتنا والأخذ بنواسخها على ما هو ظاهر ، والمفروض معلومية وجوب العمل بهذه الأحكام الثابتة في شريعتنا مطلقا ، سواء كانت ناسخة لما قرّر في
__________________
(١) سيأتي الثاني منهما في ص ٣٦٦.
(٢) المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : لورودها.
(٣) « م » : الإحراز.
(٤) « ج » : يقتضي.
(٥) المثبت من « م » ، ولم ترد كلمة « هو » في سائر النسخ.
(٦) « ج ، م » : بمنسوخية.
(٧) « ج ، م » : العمل.