ليكون بدلا تعبّديا ، لأنّا نقول : قد عرفت منافاته لعدم علمه عليهالسلام بأحكام شريعته.
الرابعة : قوله تعالى مدحا ليحيى على نبيّنا وعليهالسلام : إنّه كان ( سَيِّداً وَحَصُوراً )(١) فإنّه يستفاد منه أرجحية العبادة على التزويج ، فيستصحب على الاستصحاب دون القول الآخر.
وفيه : أنّ المراتب في ذلك مختلفة والوقائع فيه متفاوتة ، فربّما يكون ترك التزويج لأمر العبادة والفراغ فيها وعدم اختلال الحواسّ والمشاعر في المناجات ، وذلك أمر مرغوب فيه مطلوب مستحسن في جميع الشرائع ؛ إذ من المعاين بالوجدان ترك ملاهي (٢) النفس والاشتغال بما يستأنس بها من النسوان والتجرّد والانقطاع عن الخلق للوصول إلى الحقّ ممّا لا ينكر الحسن فيه ، فهو بهذا العنوان ممّا لا حاجة في إثباته إلى الاستصحاب ، وربّما يكون ترك التزويج مخلاّ في ذلك فيجب كما يستفاد من ملاحظة أحوال فحول الرجال ، فيكون الكمال في التزويج ، ولبعض الواصلين إلى الدرجة العليا والمرتبة القصوى حالة الاجتماع بينهما على وجه لا يضرّ أحدهما بالآخر فهو في عين الوحدة والتجرّد مشغول وبالعكس كما لا يخفى ، فإن أريد إثبات الأرجحية المطلقة في هذه الشريعة لثبوتها في شريعة يحيى ، فظاهر الفساد ؛ للعلم بخلافه أوّلا في هذه الشريعة ، ولعدم ثبوته على هذا الوجه في غيرها ثانيا ، وإن أريد إثبات الأرجحية ولو في بعض المراتب فنحن لا نضايق من ثبوته على الوجه المذكور في شريعة يحيى إلاّ أنّه لا حاجة في ذلك إلى الاستصحاب ؛ لمعلوميته في هذه الشريعة.
الخامسة : قوله تعالى في قصّة شعيب وموسى : ( أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ )(٣) فإنّه يستفاد منه صحّة الإجارة على تقدير الترديد في زمان الإجارة ، فعلى الاستصحاب يصحّ في شريعتنا
__________________
(١) آل عمران : ٣٩.
(٢) « ز » : ملاعب وفي « ك » : ملاعبة.
(٣) القصص : ٢٧.