وقد ظهر ممّا تقدّم أنّ الأحكام الظاهرية والواقعية أيضا متدرّجة (١) من حيث إنّ أدلّة الفقاهة (٢) وأدلّة الاجتهاد (٣) متدرّجة (٤) ، فكلّ (٥) مترتبة منها واقعي بالنسبة إلى المرتبة المؤخّرة عنها ، وظاهري بالنسبة إلى المرتبة المقدّمة عليها ، فخبر الواحد إذا له جهتان : إحداهما : كشفه عن الحكم الواقعي ، وثانيتهما (٦) : اعتباره وعدم الاعتناء باحتمال خلافه ، فهو من الجهة الأولى دليل اجتهادي وموضوع لحكم ظاهري هو وجوب الأخذ به ، ومن الثانية حكم ظاهري في المسألة الفرعية وحكم واقعي في المسألة الأصولية ، والدليل الدالّ على اعتباره دليل الفقاهة على الأوّل ، ودليل الاجتهاد على الثاني ، فيتداخل الأقسام بذواتها وإن كانت متميّزة بحيثياتها.
هذا ما يستفاد ممّا أفاده المحقّق المذكور ، إلاّ أنّه بعد لا يخلو عن مناقشة وإن كانت راجعة إلى الاصطلاح في بعض الوجوه ، فإنّ الموروث من قدماء أرباب الصناعة وأصحاب الفنّ هو الحكم بتقديم أدلّة الاجتهاد مطلقا على أدلّة الأحكام الظاهرية ، ولا يصحّ ذلك بإطلاقه على ما أفاده ؛ إذ لا بدّ حينئذ من ملاحظة الأدلّة الدالّة على الأحكام الظاهرية ، فإن كانت من الأصول العملية كالاستصحاب وأخواتها فيحكم فيها بالتقديم ، وإن كانت غيرها كالإجماع والسنّة ونحوها فلا بدّ من المعارضة على ما قرّر في التراجيح ، على أنّه لم يعهد إطلاق دليل الفقاهة على مثل الإجماع ونحوه فإنّ المعهود منها هي الأصول العملية الكلّية المستعملة في الأحكام ، أو الجزئية المقرّرة فيها وفي موضوعاتها مثلا ، مضافا إلى أنّ ما قرّره في تعريف الفقه ممّا لا يخلو عن نظر ، فتدبّر.
وكيف (٧) كان ، فالأنسب بما نحن بصدده من بيان معارضات الاستصحاب هو أن
__________________
(١) « ز ، م » : مندرجة.
(٢) « ز ، ك » : الفقاهية.
(٣) « ك » : الاجتهادية.
(٤) « ز » : مندرجة.
(٥) « ج » : بكلّ « ز ، ك » : لكلّ.
(٦) المثبت من « م » وفي سائر النسخ : ثانيهما.
(٧) « ز ، ك » : فكيف.