يقال : إنّ الدليل الاجتهادي هو ما يدلّ على الحكم الواقعي من غير ملاحظة الشكّ في موضوعه ، وما يدلّ على حكم الواقعة (١) من حيث كونها مجهول الحكم كأن يكون مبنيّا (٢) لحكم الشكّ فهو دليل عملي مثل الأصول الأربعة الكلّية والأصول الجزئية كالقرعة وأشباهها ، وأمّا الأخبار الآحاد فليست مبنيّة (٣) لحكم الواقعة باعتبار الشكّ ، وكذا ما يدلّ على اعتبارها أيضا فإنّ الأدلّة الدالّة عليه إنّما تدلّ على اعتبارها من حيث إنّها طرق إلى الواقع وحكايات عنه وكواشف منه (٤) ، وستعرف لذلك زيادة تحقيق.
فتلخّص من جميع ما ذكرنا : أنّ المراد بالأدلّة الاجتهادية هو ما عدا الأصول العملية ممّا يكشف عن حكم الواقعة المشكوكة لا من حيث إنّها مشكوكة ، ولا ضير في ذلك أن يكون قطعيا أو ظنّيا أو تعبّديا صرفا ، وفيما ذكرنا أيضا يختلف المراد ، مثلا إنّ الحكم الواقعي في الشكّ في التكليف هو البراءة ، فلو تخلّف عنها المجتهد وحكم بالاحتياط كما عن الأخباريين فهو في حقّه حكم ظاهري ، ولو تردّد في ذلك الحكم فلا بدّ له من الرجوع إلى أصل آخر مقرّر فيما شكّ في كونه من موارد البراءة والاحتياط ، وهو أيضا قد يصير مجهولا إلى الانتهاء إلى حدّ لا يعقل فيه الخطأ كالعلم ، فإنّه ليس وراء عبّادان قرية.
ولا بأس بتوضيح المقال بالمثال ، فيقال : إنّ الدليل الدالّ (٥) على حرمة العصير من حيث هو عصير وموضوع واقعي دليل اجتهادي ، وهذه الحرمة المستفادة منه حكم واقعي ، ففي صورة القطع بذلك فلا إشكال ، وكذا في صورة الظنّ فإنّ الدليل الدالّ على اعتباره لا يدلّ عليه من حيث إنّه مجهول الحكم ، وأمّا لو جهلنا بذلك الحكم الواقعي
__________________
(١) « م » : واقعة.
(٢) « ز » : مبيّنا.
(٣) « ج ، م » : فليس مبنيا ، « ز » : مبيّنة.
(٤) « ج ، م » : طريق إلى الواقع وحاكي عنه وكاشف منه.
(٥) « ز ، ك » : ـ الدالّ.